الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        وفيه أيضا: «ويرجع في أمور الوقف إلى شرط واقف كشرطه لزيد كذا، ولعمرو كذا» .

        وفي المقنع والشرح الكبير: «ويرجع إلى شرط واقف في قسمة على [ ص: 79 ] الموقوف عليهم، وفي التقديم والتأخير، والجمع والترتيب، والتسوية والتفضيل، وإخراج من شاء بصفة وإدخاله بصفة، وفي الناظر فيه، والإنفاق عليه، وسائر أحواله; لأنه ثبت بوقفه، فوجب أن يتبع فيه شرطه، ولأن ابتداء الوقف مفوض إليه، فكذلك تفضيله وترتيبه، وكذلك إن شرط إخراج بعضهم بصفة ورده بصفة، مثل أن يقول: من تزوج منهم فله، ومن فارق فلا شيء له، أو عكس ذلك... أو من كان على مذهب كذا فله، ومن خرج منه فلا شيء له، وكذلك إن وقف على أولاده على أن للأنثى سهما وللذكر سهمين أو على حسب ميراثهم، أو العكس، أو على أن للكبير ضعف ما للصغير، أو للفقير ضعف ما للغني، أو عكس ذلك، أو عين بالتفضيل واحدا معينا، أو ولده، وما أشبه هذا، فهو على ما قال; لما ذكرنا، فكل هذا صحيح، وهو على ما شرط» .

        فمذهب الحنابلة هو وجوب اعتبار شرط الواقف ما لم يكن منافيا لمقتضى الوقف، أو منهيا عنه شرعا، وأن الشروط المباحة واجبة الاعتبار، فلا يلزم لصحة الاشتراطات كونها مستحبة.

        ففي الإنصاف: «ويرجع إلى شرط الواقف في قسمة...وظاهر كلام المصنف وغيره أن الشرط المباح الذي لم يظهر قصد القربة منه يجب اعتباره في كلام الواقف، قال الحارثي: وهو ظاهر كلام الأصحاب، والمعروف في المذهب الوجوب، قال: وهو الصحيح» .

        وعند شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم تفصيل لشروط الواقفين، يختلف قليلا عن المذهب الحنبلي من حيث النظر إلى الشروط المباحة، فهما [ ص: 80 ] لا يريان وجوب الالتزام إلا بشرط مستحب شرعا، تقعيدا منهما من اعتبار القربة في أصل الوقف.

        يقول ابن تيمية: «الأعمال المشروطة في الوقف من الأمور الدينية، مثل الوقف على الأئمة والمؤذنين والمشتغلين بالعلم والقرآن والحديث والفقه، ونحو ذلك، أو بالعبادة، أو بالجهاد في سبيل الله تنقسم ثلاثة أقسام:

        أحدها: عمل يتقرب به إلى الله تعالى، وهو الواجبات والمستحبات التي رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وحض على تحصيلها، فمثل هذا الشرط يجب الوفاء به، ويقف استحقاق الوقف على حصوله في الجملة.

        والثاني: عمل قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه، فاشتراط مثل هذا العمل باطل باتفاق العلماء; لما قد استفاض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خطب على منبره، فقال: «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرطه أوثق» .

        ثم قال: ومن هذا الباب أن يكون المشترط ليس محرما في نفسه، لكنه مناف لحصول المقصود المأمور به.

        القسم الثالث: عمل ليس بمكروه في الشرع ولا مستحب، بل هو مباح مستوي الطرفين.

        فهذا قال بعض العلماء بوجوب الوفاء به، والجمهور من العلماء من أهل المذاهب المشهورة وغيرهم على أنه شرط باطل، ولا يصح عندهم أن يشترط إلا ما كان قربة إلى الله تعالى; وذلك أن الإنسان ليس له أن يبذل ماله إلا لما فيه منفعته في الدين أو الدنيا، فما دام الرجل حيا فله أن يبذل ماله في تحصيل الأغراض المباحة; لأنه ينتفع بذلك، فأما الميت فما بقي بعد الموت [ ص: 81 ] ينتفع من أعمال الأحياء إلا بعمل صالح قد أمر به، أو أعان عليه ، أو قد أهدى إليه، ونحو ذلك، فأما الأعمال التي ليست طاعة لله ورسوله فلا ينتفع بها الميت بحال» .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية