الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثالثة: الجهة التي تصرف منها أجرة ناظر الوقف:

        صرف أجرة ناظر الوقف من غلة الوقف مطلقا، سواء نص الواقف على الصرف منها أم أطلق، وهذا عند عامة أصحاب المذاهب الأربعة.

        وظاهر كلامهم: الاستدلال بمجمل ما تقدم في المطالب السابقة، ومنها فعل عمر وعلي رضي الله عنهما.

        وقد ذهب بعض المالكية: إلى أن الجهة التي تصرف منها أجرة ناظر الوقف هي بيت المال، فإن لم يعط من بيت المال شيئا فلا شيء له وأجره على الله، ولا يجوز الصرف من الغلة، فإن أخذها منها ردت منه. [ ص: 407 ] إلا أن بعضهم - أي: بعض من قال بصرفها من بيت المال من المالكية - أجازها من الغلة إذا جهل أصل تحبيسها، ولا يعلم الموقوف عليه.

        دليل هذا القول: (أي: قول بعض المالكية) :

        استدل له بأن إدارة الأوقاف من أعمال الدولة، ومن الأمور التي يجب أن يقوم بها المحتسب الأكبر وهو الحاكم; وذلك لأنها في أكثر الأحيان مآلها إلى البر والصدقات والخيرات، فمن يقوم بشؤونها يكون كعمال الدولة، يأخذ أجرته من بيت مالها، لا من الأوقاف.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن المصالح الخاصة زادت في الأوقاف على المصالح العامة، فلا تكون الأجرة من عموم بيت المال، بل من خاصته بالوقف.

        ولا يخفى ضعف هذا القول - قول بعض المالكية - فإنه يؤدي إلى ترك الأوقاف بلا نظار مما يؤدي إلى ضياعها; وذلك أن الناظر إذا علم أنه لا يعطى على نظارته شيئا من الغلة، وأن حقه في بيت المال، وقد لا يعطى شيئا فقد يترك النظارة، أو يهمل الوقف فلا يعطيه حقه في النظارة، وبالتالي يؤدي إلى ضياع الأوقاف وخرابها، والله أعلم.

        ومع ذلك فقد يكون لقول بعض المالكية وجه في الأوقاف التي تمخضت للخير، ولا تصرف إلا في وجوه البر أو المصالح العامة كالملاجئ والمصحات ونحوها، فإن إدارة مثل هذا النوع من الأوقاف يصح أن تتحمل [ ص: 408 ] نفقاته الدولة; لأنها تؤدي بعض شؤونها، وتقوم ببعض واجباتها، وتحمل جزءا من أعبائها، وتعاونها فيما تهدف إليه من إقامة مجتمع صالح.

        ويمكن الاستدلال لهم على ذلك بما يلي:

        أن الأجرة ومقدارها في هذه الحالة من مشروط الواقف، وشرط الواقف يجب الوفاء به ما لم يخالف حكم الشرع.

        ***

        التالي السابق


        الخدمات العلمية