الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الرابع: ادخار شيء من غلة الوقف لعمارته فيما لو خرب.

        الحال الأولى: أن يشرط الواقف تقديم العمارة على المستحقين، فيدخر ما يحتاج إلى عمارته في المستقبل، متى حصلت غلبة ظن باحتياجه.

        الحال الثانية: إذا لم يشترط تقديم العمارة على المستحقين.

        اختلف العلماء في ذلك على قولين:

        القول الأول: أنه إذا اشترط الواقف تقديم العمارة على المستحقين وجب ادخار قدر ما يحتاج إليه للعمارة في المستقبل، فيرصد الناظر القدر الذي يغلب على ظنه الحاجة إليه، وإذا لم يشترط الواقف تقديم العمارة، بل سكت فلا يدخر لها عند عدم الحاجة.

        وبه قال بعض الحنفية.

        جاء في المبسوط: «من ذلك أنه يشترط فيه أن يرفع الوالي من غلته كل عام ما يحتاج إليه لأداء العشر والخراج، وما يحتاج إليه لبذر الأرض ومؤنتها وأرزاق الولاة لها ووكلائها وأجور وكلائها ممن يحصدها ويدرسها وغير ذلك من نوائبها; لأن مقصود الواقف استدامة الوقف، وأن تكون المنفعة [ ص: 370 ] واصلة إلى الجهات المذكورة في كل وقت، ولا يحصل ذلك إلا برفع هذه المؤن من رأس الغلة» .

        أما مقدار ما يتم تخصيصه فيجب ربطه برأي أهل الخبرة، وقد جاء في مشروع قانون الوقف الكويتي في إطار استثمار وتنمية الموارد الوقفية عن ذكر مقدار ما يحتفظ به الناظر لعمارة الوقف ما نصه: «يحتفظ الناظر لأعمال العمارة بخمسة في المئة من صافي الريع السنوي للأوقاف التي من شأنها أن تحتاج إلى ذلك بشرط أن لا يتجاوز مجموع ما يحتفظ به عشرين في المئة من صافي الريع» .

        وقد جاء بأن المشروع أخذ بما ورد في كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم حيث ورد فيه: «الواقف إذا شرط تقديم العمارة ثم الفاضل عنها للمستحقين كما هو الواقع في أوقاف القاهرة، فإنه يجب على الناظر إمساك قدر ما يحتاج إليه في العمارة في المستقبل، وإن كان الآن لا يحتاج الموقوف إلى العمارة» .

        القول الثاني: وجوب الادخار إذا كان الوقف على عمارة المسجد.

        وبه قال بعض الشافعية، وقيده السبكي بتوقع الحاجة للعمارة عن قرب بأن تكون الحاجة متوقعة بشرط: أن لا يخشى على المدخر من ظالم ونحوه، وإلا لم يدخر.

        فإن كان توقع الخراب بعيدا، فالأولى أن يشترى به، فإنه يصير محفوظا في العين المشتراة. [ ص: 371 ] وأما ما لم يوقف على عمارته كالموقوف على مصالحه أو مطلقا، فإن فضل من غلته شيء ادخر منه قدر ما لو خرب أعيدت به العمارة ويشترى بباقيها ما فيه زيادة غلة ويوقف عليه، أما غلة ما وقف لعمارته فلا شراء بل يدخر لها.

        وأشار ابن حجر الهيتمي: إلى أنه لا يدخر شيء مما لو يوقف على العمارة ولو كان فاضلا من الغلة، حيث قال: «أما غير المنهدم، فما فضل من غلة الموقوف على مصالحه فيشترى له بها عقار ويوقف عليه، بخلاف الموقوف على عمارته يجب ادخارها لأجلها» .

        ***

        التالي السابق


        الخدمات العلمية