1612 - يا أقرع بن حابس يا أقرع إنك إن يصرع أخوك تصرع
وهذا تخريج المبرد. يزعم أنه ليس بجواب، إنما هو دال على الجواب والنية به التقديم. وفي البيت تخريج آخر، وهو أن يكون "يصرع" المرفوع خبرا لـ "إنك"، والشرط معترض بينهما، وجوابه ما دل عليه قوله: "إنك تصرع"، كقوله: وسيبويه وإنا إن شاء الله لمهتدون . وخرجه على التوهم، فإنه قال: ويجوز أن يقال: حمل على ما يقع موقع "أينما تكونوا"، وهو "أينما كنتم"، كما حمل "ولا ناعب" على ما يقع موقع "ليسوا مصلحين" وهو "ليسوا بمصلحين"، فرفع كما رفع الزمخشري زهير:
1613 - ... ... ... ... يقول لا غائب مالي ولا حرم
وهو قول نحوي سيبي، يعني: منسوب فكأنه قال: "أينما كنتم"، وفعل الشرط إذا كان ماضيا لفظا جاز المضارع الرفع والجزم، كقول لسيبويه، زهير:
وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول ... ... ... ...
"ولو كنتم" قالوا: هي بمعنى "إن" وجوابها محذوف؛ أي: لأدرككم. وذكر فيه قولا غريبا من عند نفسه، فقال: ويجوز أن يتصل بقوله: الزمخشري ولا تظلمون فتيلا ؛ أي: لا تنقصون شيئا مما كتب من آجالكم أينما تكونوا في ملاحم حروب أو غيرها، ثم ابتدأ بقوله: يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ، والوقف على هذا الوجه [ على ] "أينما تكونوا". انتهى. ورد عليه الشيخ فقال: هذا تخريج ليس بمستقيم، لا من حيث المعنى ولا من حيث الصناعة النحوية: أما من حيث المعنى، فإنه لا يناسب أن يكون متصلا بقوله: ولا تظلمون فتيلا ؛ لأن انتفاء الظلم ظاهرا إنما هو في الآخرة؛ لقوله: قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى . وأما من حيث الصناعة النحوية، فإن ظاهر كلامه يدل على أن "أينما تكونوا" متعلق بقوله: ولا تظلمون بمعنى ما فسره، وهذا لا يجوز؛ لأن أسماء الشرط لها صدر الكلام، فلا يتقدم عاملها [ ص: 45 ] عليها، فإن ورد مثل: "اضرب زيدا متى جاء"، قدر له عامل يدل عليه "اضرب" لا نفس "اضرب" المتقدم. فإن قيل: فكذلك يقدر عاملا يدل عليه الزمخشري "ولا تظلمون" تقديره: أينما تكونوا فلا تظلمون، فحذف "فلا تظلمون" لدلالة ما قبله عليه، فيخلص من الإشكال المذكور. قيل: لا يمكن ذلك؛ لأنه حينئذ يحذف جواب الشرط وفعل الشرط مضارع، وقد تقدم أنه يكون إلا ماضيا، وفي هذا الرد نظر؛ لأنه أراد تفسير المعنى. قوله: ولا يناسب أن يكون متصلا بقوله: "ولا تظلمون" ممنوع، بل هو مناسب، وقد أوضحه بما تقدم أحسن إيضاح. الزمخشري
والجملة الامتناعية في محل نصب على الحال؛ أي: أينما تكونوا من الأمكنة يدرككم الموت، ولو كانت حالكم أنكم في هذه البروج، فيفهم أن إدراكه لهم في غيرها بطريق الأولى والأحرى، وقريب منه: " "، والجملة الشرطية تحتمل وجهين، أحدهما: أنها لا محل لها من الإعراب؛ لأنها استئناف إخبار، أخبر تعالى أنه لا يفوت الموت أحد، ومنه قول أعطوا السائل ولو على فرس زهير:
1614 - ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم
والثاني: أنها في محل نصب بالقول قبلها؛ أي: قل متاع الدنيا قليل، وقل أيضا: أينما تكونوا.
والجمهور على "مشيدة" بفتح الياء اسم مفعول. ونعيم بن ميسرة بكسرها، نسب الفعل إليها مجازا، كقولهم: "قصيدة شاعرة"، والموصوف بذلك أهلها، وإنما عدل إلى ذلك مبالغة في الوصف. [ ص: 46 ]
والبروج: الحصون، مأخوذة من “التبرج"، وهو الإظهار، ومنه: غير متبرجات بزينة ، والبرج في العين: سعتها، ومنه قول ذي الرمة:
1615 - بيضاء في برج صفراء في غنج كأنها فضة قد مسها ذهب
وقولهم: ثوب مبرج؛ أي: عليه صور البروج، كقولهم: مرط مرجل؛ أي: عليه صور الرجال، يروى بالجيم والحاء. والمشيدة: المصنوعة بالشيد، وهو الجص، ويقال: شاد البناء وشيده، كرر العين للتكثير. ومن مجيء "شاد" قول الأسود:
1616 - شاده مرمرا وجلله كلـ ـسا فللطير في ذراه وكور
ويقال: "أشاد" أيضا فيكون فعل وأفعل بمعنى.
ووقف أبو عمرو - بخلاف عنه - على "ما" في قوله: والكسائي "فمال هؤلاء"، وفي قوله: "مال هذا الرسول"، وفي قوله: "مال هذا الكتاب"، وفي قوله: "فمال الذين كفروا". والباقون على اللام التي للجر دون مجرورها اتباعا للرسم، وهذا ينبغي أن لا يجوز - أعني: الوقفين - لأن الأول [ ص: 47 ] يوقف فيه على المبتدإ دون خبره، والثاني يوقف فيه على حرف الجر دون مجروره، وإنما يجوز ذلك لضرورة قطع النفس أو ابتلاء.