الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 55 ) قوله تعالى: إنما وليكم الله : مبتدأ وخبر، و "رسوله، والذين" عطف على الخبر. قال الزمخشري: قد ذكرت جماعة: فهلا قيل: إنما أولياؤكم. وأجاب بأن الولاية بطريق الأصالة لله تعالى، ثم نظم في سلك إثباتها لرسوله وللمؤمنين، ولو جيء به جمعا فقيل: "إنما أولياؤكم"، لم يكن في الكلام أصل وتبع. قلت: ويحتمل وجها آخر: وهو أن "ولي" بزنة فعيل، وفعيل قد نص عليه أهل اللسان أنه يقع للواحد والاثنين والجماعة، تذكيرا وتأنيثا بلفظ واحد، يقال: الزيدون صديق، وهند صديق، وهذا مثله، غاية ما فيه أنه مقدم في التركيب، وقد أجاب الزمخشري وغيره بذلك في قوله تعالى: وما قوم لوط منكم ببعيد ، وذكر وجه ذلك وهو شبهه بالمصادر، وسيأتي تحقيقه. وقرأ ابن مسعود : "إنما مولاكم" وهي تفسير لا قراءة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: "الذين يقيمون الصلاوة" فيه خمسة أوجه، أحدها: أنه [ ص: 314 ] مرفوع على الوصف؛ لقوله: "الذين آمنوا"، وصف المؤمنين بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وذكر هاتين العبادتين دون سائر فروع الإيمان؛ لأنهما أفضلها. الثاني: أنه مرفوع على البدل من “الذين آمنوا". الثالث: أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم الذين. الرابع: أنه عطف بيان لما قبله؛ فإن كل ما جاز أن يكون بدلا، جاز أن يكون بيانا إلا فيما استثني، وقد ذكرته فيما تقدم. الخامس: أنه منصوب بإضمار فعل، وهذا الوجه والذي قبله من باب القطع عن التبعية. قال الشيخ: - بعد أن نقل عن الزمخشري وجهي البدل وإضمار المبتدإ فقط - ولا أدري ما الذي منعه من الصفة؛ إذ هو المتبادر إلى الذهن، ولأن المبدل منه على نية الطرح، وهو لا يصح هنا؛ لأنه هو الوصف المترتب عليه [ صحة ] ما بعده من الأوصاف. قلت: لا نسلم أن المتبادر إلى الذهن الوصف، بل البدل هو المتبادر، وأيضا فإن الوصف بالموصول على خلاف الأصل؛ لأنه مؤول بالمشتق وليس بمشتق، ولا نسلم أن المبدل منه على نية الطرح، وهو المنقول عن سيبويه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وهم راكعون" في هذه الجملة وجهان، أظهرهما: أنها معطوفة على ما قبلها من الجمل، فتكون صلة للموصول، وجاء بهذه الجملة اسمية دون ما قبلها، فلم يقل: "ويركعون" اهتماما بهذا الوصف؛ لأنه أظهر أركان الصلاة. والثاني: أنها واو الحال، وصاحبها هو واو "يؤتون"، والمراد بالركوع: الخضوع؛ أي: يؤتون الصدقة وهم متواضعون للفقراء الذين يتصدقون عليهم، ويجوز أن يراد به الركوع حقيقة؛ كما روي عن علي أمير المؤمنين أنه تصدق بخاتمه وهو راكع. [ ص: 315 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية