الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 68 ) قوله تعالى: وإذا رأيت "إذا" منصوب بجوابها وهو "فأعرض"؛ أي: أعرض عنهم في هذا الوقت، و "رأيت" هنا تحتمل أن تكون البصرية وهو الظاهر، ولذلك تعدت لواحد. قال الشيخ: "ولا بد من تقدير حال محذوفة؛ أي: رأيت الذين يخوضون في آياتنا وهم خائضون فيها؛ أي: وإذا رأيتهم ملتبسين بالخوض فيها" انتهى. قلت: ولا حاجة إلى ذلك؛ لأن قوله: "يخوضون" مضارع والراجح حاليته، وأيضا فإن "الذين يخوضون" في قوة الخائضين، واسم الفاعل حقيقة في الحال بلا خلاف، فيحمل هذا على حقيقته، فيستغنى عن حذف هذه الحال التي قدرها وهي حال مؤكدة. ويحتمل أن تكون علمية، وضعفه الشيخ بأنه يلزم منه حذف المفعول الثاني، وحذفه: إما اقتصار وإما اختصار، فإن كان الأول فممنوع اتفاقا، وإن كان الثاني فالصحيح المنع حتى منع ذلك بعض النحويين.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "غيره" الهاء فيها وجهان، أحدهما: أنه تعود على الآيات، وعاد مفردا مذكرا؛ لأن الآيات في معنى الحديث والقرآن. وقيل: إنها تعود على الخوض؛ أي: المدلول عليه بالفعل، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1947 - إذا نهي السفيه جرى إليه وخالف والسفيه إلى خلاف



                                                                                                                                                                                                                                      أي: جرى إلى السفه، دل عليه الصفة كما دل الفعل على مصدره؛ أي: [ ص: 675 ] حتى يخوضوا في حديث غير الخوض.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ينسينك" قراءة العامة: "ينسينك" بتخفيف السين من "أنساه"، كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان ، فأنساه الشيطان . وقرأ ابن عامر بتشديدها من "نساه"، والتعدي جاء في هذا الفعل بالهمزة مرة وبالتضعيف أخرى، كما تقدم في أنجى ونجى، وأمهل ومهل. والمفعول الثاني محذوف في القراءتين، تقديره: وإما ينسينك الشيطان الذكر أو الحق. والأحسن أن تقدر ما يليق بالمعنى؛ أي: وإما ينسينك الشيطان ما أمرت به من ترك مجالسه الخائضين بعد تذكيرك، فلا تقعد بعد ذلك معهم، وإنما أبرزهم ظاهرين تسجيلا عليهم بصفة الظلم، وجاء الشرط الأول بـ "إذا"؛ لأن خوضهم في الآيات محقق، وفي الشرط الثاني بـ "إن"؛ لأن إنساء الشيطان له ليس أمرا محققا، بل قد يقع وقد لا يقع، وهو معصوم منه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولم يجئ مصدر على فعلى غير "ذكرى". وقال ابن عطية : "وإما" شرط، ويلزمها في الأغلب النون الثقيلة، وقد لا تلزم، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1948 - إما يصيبك عدو في مناوأة      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الذي ذكره من لزوم التوكيد هو مذهب الزجاج، والناس على خلافه، وأنشدوا ما أنشده ابن عطية وأبياتا أخر ذكرتها في " شرح التسهيل "، كقوله: [ ص: 676 ]

                                                                                                                                                                                                                                      إما تريني اليوم أم حمز

                                                                                                                                                                                                                                      على أني قد ضممت كثيرا من أطراف هذه المسألة في أوائل البقرة، إلا أن أحدا لم يقل: يلزم توكيده بالثقيلة دون الخفيفة، وإن كان ظاهر عبارة أبي محمد ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية