الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 55 ) قوله تعالى: وكذلك نفصل الكاف أمرها واضح من كونها نعتا لمصدر محذوف، أو حالا من ضمير ذلك المصدر، كما هو رأي سيبويه، والإشارة بـ "ذلك" إلى التفصيل السابق، تقديره: مثل ذلك [ ص: 655 ] التفصيل البين، وهو ما سبق من أحوال الأمم نفصل آيات القرآن. وقال ابن عطية : "والإشارة بقوله: "وكذلك" إلى ما تقدم من النهي عن طرد المؤمنين، وبيان فساد منزع المعارضين لذلك، وتفصيل الآيات تبيينها وشرحها". وهذا شبيه بما تقدم له في قوله: "وكذلك فتنا"، وتقدم أنه غير ظاهر.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ولتستبين سبيل" قرأ الأخوان وأبو بكر: "وليستبين" بالياء من تحت، و "سبيل" بالرفع. ونافع: "ولتستبين" بالتاء من فوق، "سبيل" بالنصب. والباقون: بالتاء من فوق، "سبيل" بالرفع. وهذه القراءات دائرة على تذكير "السبيل" وتأنيثه، وتعدي "استبان" ولزومه. وإيضاح هذا أن لغة نجد وتميم تذكير "السبيل"، وعليه قوله تعالى: وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ، ولغة الحجاز التأنيث، وعليه: "قل هذه سبيلي"، وقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1935 - خل السبيل لمن يبني المنار بها ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      وأما "استبان" فيكون متعديا، نحو: "استبنت الشيء"، ويكون لازما نحو: "استبان الصبح" بمعنى: بان، فمن قرأ بالياء من تحت ورفع، فإنه أسند الفعل إلى "السبيل"، فرفعه على أنه مذكر وعلى أن الفعل لازم، ومن قرأ بالتاء من فوق فكذلك، ولكن على لغة التأنيث. ومن قرأ بالتاء من فوق ونصب "السبيل"، فإنه أسند الفعل إلى المخاطب، ونصب "السبيل" على المفعولية، وذلك على [ ص: 656 ] تعدية الفعل؛ أي: ولتستبين أنت سبيل المجرمين، فالتاء في "لتستبين" مختلفة المعنى، فإنها في إحدى القراءتين للخطاب وفي الأخرى للتأنيث، وهي في كلا الحالين للمضارعة، و "تستبين" منصوب بإضمار "أن" بعد لام كي، وفيما تتعلق به هذه اللام وجهان، أحدهما: أنها معطوفة على علة محذوفة، وتلك العلة معمولة لقوله: "نفصل"، والمعنى: وكذلك نفصل الآيات لتستبين لكم ولتستبين.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها متعلقة بمحذوف مقدر بعدها؛ أي: ولتستبين سبيل المجرمين فصلناها ذلك التفصيل. وفي الكلام حذف معطوف على رأي؛ أي: وسبيل المؤمنين، كقوله تعالى: سرابيل تقيكم الحر . وقيل: لا يحتاج إلى ذلك؛ لأن المقام إنما يقتضي ذكر المجرمين فقط؛ إذ هم الذين أثاروا ما تقدم ذكره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية