الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 65 ) قوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون : في هذه المسألة أربعة أقوال، أحدها - وهو قول ابن جرير -: أن "لا" الأولى رد لكلام تقدمها، تقديره: فلا تعقلون، أو: ليس الأمر كما يزعمون من أنهم آمنوا بما أنزل إليك، ثم استأنف قسما بعد ذلك، فعلى هذا يكون الوقف على "لا" تاما. الثاني: أن "لا" الأولى قدمت على القسم اهتماما بالنفي، ثم كررت توكيدا، وكان يصح إسقاط الأولى ويبقى [ معنى ] النفي، ولكن تفوت الدلالة على الاهتمام المذكور، وكان يصح إسقاط الثانية ويبقى معنى الاهتمام، ولكن تفوت الدلالة على النفي، فجمع بينهما لذلك. الثالث: أن الثانية زائدة، والقسم معترض بين حرف النفي والمنفي، وكأن التقدير: فلا يؤمنون وربك. الرابع: أن الأولى زائدة، والثانية غير زائدة، وهو اختيار الزمخشري، فإنه قال: "لا" مزيدة لتأكيد معنى القسم، كما زيدت في لئلا يعلم ؛ لتأكيد وجوب العلم، و "لا يؤمنون" جواب القسم، فإن قلت: هلا زعمت أنها زيدت لتظاهر "لا" في "لا يؤمنون". قلت: يأبى ذلك استواء النفي والإثبات فيه، وذلك قوله: فلا أقسم بما تبصرون [ ص: 20 ] وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم ، يعني: أنه قد جاءت "لا" قبل القسم، حيث لم تكن "لا" موجودة في الجواب، فالزمخشري يرى أن "لا" في قوله تعالى: فلا أقسم بما تبصرون أنها زائدة أيضا لتأكيد معنى القسم، وهو أحد القولين، والقول الآخر كقول الطبري المتقدم، ومثل الآية في التخاريج المذكورة قول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      1603 - فلا والله لا يلفى لما بي ولا للما بهم أبدا دواء



                                                                                                                                                                                                                                      قوله: حتى يحكموك : "حتى" غاية متعلقة بقوله: "لا يؤمنون"؛ أي: ينتفي عنهم الإيمان إلى هذه الغاية، وهي تحكيمك وعدم وجدانهم الحرج وتسليمهم لأمرك. والتفت في قوله: "ربك" من الغيبة في قوله: واستغفر لهم الرسول رجوعا إلى قوله: "ثم جاؤوك". وقرأ أبو السمال : "شجر" بسكون الجيم هربا من توالي الحركات وهي ضعيفة؛ لأن الفتح أخو السكون. و "بينهم" ظرف منصوب بـ "شجر"، هذا هو الصحيح، وأجاز أبو البقاء فيه أن يكون حالا، وجعل في صاحب هذه الحال احتمالين، أحدهما: أن يكون حالا من "ما" الموصولة، والثاني: أنه حال من فاعل "شجر" وهو نفس الموصول أيضا في المعنى، فعلى هذا يتعلق بمحذوف، و "ثم لا يجدوا" عطف على ما بعد "حتى"، و "يجدوا" يحتمل أن تكون المتعدية لاثنين، فيكون الأول "حرجا"، والثاني الجار قبله فيتعلق بمحذوف، وأن تكون المتعدية لواحد، فيجوز في "في أنفسهم" وجهان، أحدهما: أنه متعلق بـ "يجدوا" تعلق الفضلات. [ ص: 21 ] والثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من "حرجا"؛ لأن صفة النكرة لما قدمت عليها انتصبت حالا.

                                                                                                                                                                                                                                      و "مما قضيت" فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بنفس "حرجا"؛ لأنك تقول: "خرجت من كذا". والثاني: أنه متعلق بمحذوف، فهو في محل نصب؛ لأنه صفة لـ "حرجا". و "ما" يجوز أن تكون مصدرية، وأن تكون بمعنى الذي؛ أي: حرجا من قضائك، أو من الذي قضيته، وأن تكون نكرة موصوفة، فالعائد على هذين القولين محذوف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية