الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 94 ) قوله تعالى: فتبينوا قرأ الأخوان من التثبت، والباقون من البيان، قيل: هما متقاربان؛ لأن من تثبت في الشيء تبينه، قاله [ ص: 74 ] أبو عبيد، وصححه ابن عطية. وقال الفارسي: التثبت هو خلاف الإقدام، والمراد التأني، والتثبت أشد اختصاصا بهذا الموضع، يدل عليه قوله: "وأشد تثبيتا"؛ أي: أشد وقعا لهم عما وعظوا به بأن لا يقدموا عليه، فاختار قراءة الأخوين. وعكس قوم فرجحوا قراءة الجماعة، قالوا: لأن المثبت قد لا يتبين. وقال الراغب: لأنه قل ما يكون إلا بعد تثبت، وقد يكون التثبت ولا تبين، وقد قوبل بالعجلة في قوله عليه السلام: " التبين من الله والعجلة من الشيطان ". قلت: فهذا يقوي قراءة الأخوين أيضا. وتفعل في كلتا القراءتين بمعنى استفعل الدال على الطلب؛ أي: اطلبوا التثبيت أو البيان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "لمن ألقى" اللام للتبليغ هنا، و "من" موصولة أو موصوفة، و "ألقى" هنا ماضي اللفظ، إلا أنه بمعنى المستقبل؛ أي: لمن يلقي؛ لأن النهي لا يكون عما وقع وانقضى، والماضي إذا وقع صلة صلح للمضي والاستقبال. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة : "السلم" بفتح السين واللام من غير ألف، وباقي السبعة: " السلام " بألف، وروي عن عاصم: "السلم" بكسر السين وسكون اللام. فأما "السلام" فالظاهر أنه التحية. وقيل: الاستسلام والانقياد، والسلم - بفتحهما -: الانقياد فقط، وكذا "السلم" بالكسر والسكون. والجحدري بفتحها وسكون اللام، وقد تقدم القول فيها في البقرة، فعليك بالالتفات إليه. والجملة من قوله: "لست مؤمنا" في محل [ ص: 75 ] نصب بالقول. والجمهور على كسر الميم الثانية من "مؤمنا" اسم فاعل، وأبو جعفر بفتحها اسم مفعول؛ أي: نؤمنك في نفسك، وتروى هذه القراءة عن علي، وابن عباس، ويحيى بن يعمر.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "تبتغون" في محل نصب على الحال من فاعل "يقولوا"؛ أي: لا تقولوا ذلك مبتغين. قوله: "كذلك" هذا خبر لـ "كان" قدم عليها وعلى اسمها؛ أي: كنتم من قبل الإسلام مثل من أقدم ولم يتثبت. وقوله: "فمن الله" الظاهر أن هذه الجملة من تتمة قوله: كذلك كنتم من قبل ، فهي معطوفة على الجملة قبلها. وقيل: بل هي من تتمة قوله: "تبتغون"، والأول أظهر. وقوله: "فتبينوا" قرئت كالتي قبلها، فقيل: هي تأكيد لفظي للأولى، وقيل: ليست للتأكيد لاختلاف متعلقهما، فإن تقدير الأول: فتبينوا في أمر من تقتلونه، وتقدير الثاني: فتبينوا نعمة الله، أو تثبتوا فيها، والسياق يدل على ذلك، ولأن الأصل عدم التأكيد. والجمهور على كسر همزة " إن الله " ، وقرئ بفتحها على أنها معمولة لـ "تبينوا" أو على حذف لام العلة، وإن كان قد قرئ بالفتح مع التثبيت، فيكون على لام العلة لا غير. والمغانم: جمع مغنم، وهو يصلح للمصدر والزمان والمكان، ثم يطلق على [ كل ] ما يؤخذ من مال العدو في الغزو، إطلاقا للمصدر على اسم المفعول، نحو: ضرب الأمير.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية