الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 33 ) قوله تعالى: إنما جزاء الذين : مبتدأ، وخبره "أن يقتلوا" وما عطف عليه؛ أي: إنما جزاؤهم التقتيل، أو التصليب، أو النفي. وقوله: "يحاربون الله"؛ أي: يحاربون أولياءه، كذا قدره الجمهور. وقال الزمخشري: يحاربون رسول الله، ومحاربة المسلمين في حكم محاربته، يعني: أن المقصود أن يخبر بأنهم يحاربون رسول الله، وإنما ذكر اسم الله تبارك وتعالى تعظيما وتفخيما لمن يحارب، كقوله: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ، وقد تقدم تحقيق ذلك وتقديره عند قوله: يخادعون الله والذين آمنوا . وقيل: معنى المحاربة: المخالفة لأحكامهما، وعلى هذه الأوجه لا يلزم في قوله تعالى: "يحاربون الله ورسوله" الجمع بين الحقيقة والمجاز في كلمة واحدة، ومن يجز ذلك لم يحتج إلى تأويل من هذه التأويلات، بل يقول: تحمل محاربتهم لله تعالى على معنى يليق بها، وهي المخالفة مجازا، ومحاربتهم لرسوله على المقاتلة حقيقة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "فسادا" في نصبه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه مفعول من أجله؛ أي: يحاربون ويسعون لأجل الفساد، وشروط النصب موجودة. الثاني: أنه مصدر واقع موقع الحال؛ أي: ويسعون في الأرض مفسدين، أو ذوي فساد، أو جعلوا نفس الفساد مبالغة، ثلاثة مذاهب مشهورة تقدم تحريرها. الثالث: أنه منصوب على المصدر؛ أي: إنه نوع من العامل قبله، فإن معنى "يسعون" هنا: [ ص: 251 ] يفسدون، وفي الحقيقة ففساد اسم مصدر قائم مقام الإفساد، والتقدير: ويفسدون في الأرض بسعيهم إفسادا. و "في الأرض" الظاهر أنه متعلق بالفعل قبله، كقوله: سعى في الأرض ليفسد ، وقد أجيز أن يكون في محل نصب على الحال؛ لأنه يجوز أن لو تأخر عنه أن يكون صفة له، وأجيز أيضا أن يتعلق بنفس "فسادا"، وهذا إنما يتمشى إذا جعلنا "فسادا" حالا، أما إذا جعلناه مصدرا امتنع ذلك لتقدمه عليه، ولأن المؤكد لا يعمل. وقرأ الجمهور: "أن يقتلوا" وما بعده من الفعلين بالتثقيل، ومعناه: التكثير بالنسبة إلى من تقع به هذه الأفعال. وقرأ الحسن وابن محيصن بتخفيفها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "من خلاف" في محل نصب على الحال من "أيديهم، وأرجلهم"؛ أي: بقطع مختلف، بمعنى أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى. والنفي: الطرد، والأرض: المراد بها هنا: ما يريدون الإقامة بها، أو يراد: من أرضهم، و "أل" عوض من المضاف إليه عند من يراه. قوله: ذلك لهم خزي في الدنيا : "ذلك" [ إشارة إلى الخبر المتقدم أيضا ]، وهو مبتدأ. وقوله: "لهم خزي" فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون "لهم" خبرا مقدما، و "خزي" مبتدأ مؤخر، و "في الدنيا" صفة له، فيتعلق بمحذوف، أو يتعلق بنفس "خزي" على أنه ظرفه، والجملة في محل رفع خبرا لـ "ذلك". الثاني: أن يكون "خزي" خبرا لـ "ذلك"، و "لهم" متعلق بمحذوف على أنه حال من "خزي"؛ لأنه في الأصل صفة له، فلما قدم انتصب حالا. وأما "في الدنيا" فيجوز فيه الوجهان المتقدمان من كونه صفة لـ "خزي" أو متعلقا به، ويجوز فيه أن يكون متعلقا بالاستقرار الذي تعلق به "لهم". الثالث: أن يكون "لهم" [ ص: 252 ] خبرا لـ "ذلك"، و "خزي" فاعل، ورفع الجار هنا الفاعل لما اعتمد على المبتدإ، و "في الدنيا" على هذا فيه الأوجه الثلاثة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية