الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 90 ) قوله تعالى: رجس : خبر عن هذه الأشياء المتقدمة، فيقال: كيف أخبر عن جمع بمفرد ؟ فأجاب الزمخشري بأنه على حذف مضاف؛ أي: إنما شأن الخمر، وكذا وكذا، ذكر ذلك عند تعرضه للضمير في "فاجتنبوه" كما سيأتي، وكذا قدره أبو البقاء ، فقال: لأن التقدير: إنما عمل هذه الأشياء. قال الشيخ بعد حكايته كلام الزمخشري: ولا حاجة إلى [ ص: 412 ] هذا، بل الحكم على هذه الأربعة أنفسها أنها رجس أبلغ من تقدير هذا المضاف، كقوله: إنما المشركون نجس . وهو كلام حسن، وأجاب أبو البقاء أيضا بأنه يجوز أن يكون "رجس" خبرا عن “الخمر"، وحذف خبر المعطوفات لدلالة خبر الأول عليها. قلت: وعلى هذا فيجوز أن يكون خبرا عن الآخر، وحذف خبر ما قبله لدلالة خبر ما بعده عليه؛ لأن لنا في نحو قوله تعالى: والله ورسوله أحق أن يرضوه هذين التقديرين، وقد تقدم تحقيقهما غير مرة.

                                                                                                                                                                                                                                      و "الأنصاب" جمع نصب، وقد تقدم ذلك أول السورة. والأزلام تقدمت أيضا، والرجس: قال الراغب: هو الشيء القذر، رجل رجس، ورجال أرجاس، ثم قال: وقيل: رجس ورجز: للصوت الشديد، يقال: بعير رجاس: شديد الهدير، وغمام راجس ورجاس: شديد الرعد. وقال الزجاج: هو اسم لكل ما استقذر من عمل قبيح، يقال: رجس ورجس بكسر الجيم وفتحها، يرجس رجسا: إذا عمل عملا قبيحا، وأصله من الرجس بفتح الراء، وهو شدة صوت الرعد، قال:

                                                                                                                                                                                                                                      1809 - وكل رجاس يسوق الرجسا [ ص: 413 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وفرق ابن دريد بين الرجس، والرجز، والركس، فجعل الرجس: الشر، والرجز: العذاب، والركس: العذرة والنتن، ثم قال: والرجس يقال للاثنين، فتحصل من هذا أنه اسم للشيء القذر المنتن، أو أنه في الأصل مصدر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من عمل الشيطان في محل رفع؛ لأنه صفة لـ "رجس". والهاء في "فاجتنبوه" تعود على الرجس؛ أي: فاجتنبوا الرجس الذي أخبر به عما تقدم من الخمر وما بعدها. وقال أبو البقاء : إنها تعود على الفعل، يعني: الذي قدره مضافا إلى الخمر وما بعدها، وإلى ذلك نحا الزمخشري أيضا، قال: فإن قلت: إلام يرجع الضمير في قوله: "فاجتنبوه" ؟ قلت: إلى المضاف المحذوف، أو تعاطيهما، أو ما أشبه ذلك، ولذلك قال: رجس من عمل الشيطان ، وقد تقدم أن الأحسن أن هذه الأشياء جعلت نفس الرجس مبالغة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية