الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . ( 69 ) قوله تعالى: وما على الذين : يجوز أن تقدر "ما" حجازية فيكون "من شيء" اسمها، و "من" مزيدة فيه لتأكيد الاستغراق، و "على الذين يتقون" خبرها عند من يجيز إعمالها مقدمة الخبر مطلقا، أو يرى ذلك في الظرف وعديله. و "من حسابهم" حال من "شيء"؛ لأنه لو تأخر لكان صفة له، ويجوز أن تكون مهملة: إما على لغة تميم، وإما على لغة الحجاز لفوات شرط، وهو تقديم خبرها وإن كان ظرفا، وتحقيق ذلك مما تقدم في قوله: ما عليك من حسابهم من شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ولكن ذكرى" فيه أربعة أوجه، أحدها: أنها منصوبة على المصدر بفعل مضمر، فقدره بعضهم أمرا؛ أي: ولكن ذكروهم ذكرى، وبعضهم قدره خبرا؛ أي: ولكن يذكرونهم ذكرى. الثاني: أنه مبتدأ خبره محذوف؛ أي: ولكن عليهم ذكرى، أو عليكم ذكرى؛ أي: تذكيرهم. الثالث: أنه خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هو ذكرى؛ أي: النهي عن مجالستهم والامتناع منها ذكرى. الرابع: أنه عطف على موضع "شيء" المجرور بـ "من"؛ أي: ما على المتقين من حسابهم شيء ولكن عليهم ذكرى، فيكون من عطف المفردات، وأما على الأوجه السابقة فمن عطف الجمل، وقد رد الزمخشري هذا الوجه الرابع، ورده عليه الشيخ، فلا بد من إيراد قولهما. قال أبو القاسم: "ولا يجوز أن [ ص: 677 ] يكون عطفا على محل "من شيء"، كقولك: "ما في الدار من أحد ولكن زيد"؛ لأن قوله: "من حسابهم" يأبى ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: "كأنه تخيل أن في العطف يلزم القيد الذي في المعطوف عليه وهو "من حسابهم"، فهو قيد في "شيء"، فلا يجوز عنده أن يكون من عطف المفردات عطفا على "من شيء” على الموضع؛ لأنه يصير التقدير عنده: ولكن ذكرى من حسابهم، وليس المعنى على هذا، وهذا الذي تخيله ليس بشيء، لا يلزم في العطف بـ "ولكن" ما ذكر، تقول: ما عندنا رجل سوء ولكن رجل صدق، وما عندنا رجل من تميم ولكن رجل من قريش، وما قام من رجل عالم ولكن رجل جاهل، فعلى هذا الذي قررناه يجوز أن يكون من عطف الجمل كما تقدم، وأن يكون من عطف المفردات، والعطف بالواو، و "لكن" جيء بها للاستدراك".

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: قوله: "تقول: ما عندنا رجل سوء ولكن رجل صدق" إلى آخر الأمثلة التي ذكرها، لا يرد على الزمخشري؛ لأن الزمخشري وغيره من أهل اللسان والأصوليين يقولون: إن العطف ظاهر في التشريك، فإن كان في المعطوف عليه قيد، فالظاهر تقيد المعطوف بذلك القيد، إلا أن تجيء قرينة صارفة فيحال الأمر عليها. فإذا قلت: ضربت زيدا يوم الجمعة وعمرا، فالظاهر اشتراك عمرو مع زيد في الضرب مقيدا بيوم الجمعة، فإن قلت: "وعمرا يوم السبت" لم يشاركه في قيده، والآية الكريمة من قبيل النوع الأول؛ أي: لم يؤت مع المعطوف بقرينة تخرجه؛ فالظاهر مشاركته للأول في قيده، ولو شاركه في قيده لزم منه ما ذكر الزمخشري . وأما الأمثلة التي أوردها، فالمعطوف مقيد بغير القيد الذي قيد به الأول، وإنما كان ينبغي أن يأتي بأمثلة هكذا، فيقول: ما عندما رجل سوء ولكن امرأة، وما عندنا رجل من تميم ولكن [ ص: 678 ] صبي، فالظاهر من هذا أن المعنى: ولكن امرأة سوء، ولكن صبي من قريش، وقول الزمخشري: "عطفا على محل "من شيء”، ولم يقل: عطفا على لفظه لفائدة حسنة يعسر معرفتها، وهو أن "لكن" حرف إيجاب، فلو عطف ما بعدها على المجرور بـ "من" لفظا لزم زيادة "من" في الواجب، وجمهور البصريين على عدم زيادتها فيه، ويدل على اعتبار الإيجاب في "لكن" أنهم إذا عطفوا بعد خبر "ما" الحجازية، أبطلوا النصب؛ لأنها لا تعمل في المنتقض النفي، و "بل" كـ "لكن" فيما ذكرت لك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية