الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 53 ) قوله تعالى: وكذلك فتنا الكاف في محل نصب على أنها نعت لمصدر محذوف، والتقدير: ومثل ذلك الفتون المتقدم الذي فهم من سياق أخبار الأمم الماضية فتنا بعض هذه الأمة ببعض، فالإشارة بذلك إلى الفتون المدلول عليه بقوله: "فتنا"، ولذلك قال الزمخشري : "ومثل ذلك الفتن العظيم فتن بعض الناس ببعض"، فجعل الإشارة لمصدر "فتنا"، [ ص: 647 ] وانظر كيف لم يتلفظ هو بإسناد الفتنة إلى الله تعالى في كلامه، وإن كان الباري تعالى قد أسندها، بل قال: "فتن بعض الناس"، فبناه للمفعول على قاعدة المعتزلة.

                                                                                                                                                                                                                                      وجعل ابن عطية الإشارة إلى طلب الطرد، فإنه قال بعد كلام يتعلق بالتفسير: "والإشارة بذلك إلى ما ذكر من طلبهم أن يطرد الضعفة". قال الشيخ: "ولا ينتظم هذا التشبيه؛ إذ يصير التقدير: مثل طلب الطرف فتنا بعضهم [ ببعض ]، والمتبادر إلى الذهن من قولك: "ضربت مثل ذلك": المماثلة في الضرب؛ أي: مثل ذلك الضرب، لا أن تقع المماثلة في غير الضرب، وقد تقدم غير مرة أن سيبويه يجعل مثل ذلك حالا من ضمير المصدر المقدر.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ليقولوا" في هذه اللام وجهان، أظهرهما: - وعليه أكثر المعربين والمفسرين - أنها لام كي، والتقدير: ومثل ذلك الفتون فتنا، ليقولوا هذه المقالة ابتلاء منا وامتحانا. والثاني: أنها لام الصيرورة؛ أي: العاقبة، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1932 - لدوا للموت وابنوا للخراب ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا ، ويكون قولهم: "أهؤلاء" إلى آخره، صادرا على سبيل الاستخفاف. [ ص: 648 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "أهؤلاء" يجوز في وجهان، أظهرهما: أنه منصوب المحل على الاشتغال بفعل محذوف يفسره الفعل الظاهر، العامل في ضميره بوساطة "على"، ويكون المفسر من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، والتقدير: أفضل الله هؤلاء من عليهم، أو اختار هؤلاء من عليهم، ولا محل لقوله: "من الله عليهم"؛ لكونها مفسرة، وإنما رجح هنا إضمار الفعل؛ لأنه وقع بعد أداة يغلب إيلاء الفعل لها. والثاني: أنه مرفوع المحل على أنه مبتدأ، والخبر: من الله عليهم، وهذا وإن كان سالما من الإضمار الموجود في الوجه الذي قبله، إلا أنه مرجوح لما تقدم، و "عليهم" متعلق بـ "من".

                                                                                                                                                                                                                                      و "من بيننا" يجوز أن يتعلق به أيضا، قال أبو البقاء : "أي: ميزهم علينا، ويجوز أن يكون حالا". قال أبو البقاء أيضا: "أي: من عليهم منفردين"، وهذان التفسيران تفسيرا معنى لا تفسير إعراب، إلا أنه لم يسقهما إلا تفسيري إعراب. والجملة من قوله: "أهؤلاء من الله" في محل نصب بالقول.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "بأعلم بالشاكرين" الفرق بين التاءين أن الأولى لا تعلق لها لكونها زائدة في خبر ليس، والثانية متعلقة بأعلم، وتعدي العلم بها لما ضمن من معنى الإحاطة، وكثيرا ما يقع ذلك في عبارة العلماء، فيقولون: علم بكذا، والعلم بكذا، لما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية