الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 38 ) قوله تعالى: وما من دابة "من" زائدة لوجود الشرطين وهي مبتدأ، و "إلا أمم" خبرها مع ما عطف عليها. وقوله: "في الأرض" صفة لدابة، فيجوز لك أن تجعلها في محل جر باعتبار اللفظ، وأن تجعلها في محل رفع باعتبار الموضع.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ولا طائر" الجمهور على جره نسقا على لفظ "دابة"، وقرأ ابن أبي عبلة برفعه نسقا على موضعها. وقرأ ابن عباس: "ولا طير" من غير ألف. وقد تقدم الكلام فيه: هل هو جمع أو اسم جمع ؟ وقوله: "يطير" في قراءة الجمهور يحتمل أن يكون في محل جر باعتبار لفظه، ويحتمل أن يكون في محل رفع باعتبار موضعه. وأما على قراءة ابن أبي عبلة، ففي محل رفع ليس إلا. وفي قوله: "ولا طائر" ذكر خاص بعد عام؛ لأن الدابة تشمل كل ما دب من طائر وغيره، فهو كقوله: وملائكته..... وجبريل ، وفيه نظر؛ إذ المقابلة هنا تنفي أن تكون الدابة تشمل الطائر.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "بجناحيه" فيه قولان، أحدهما: أن الباء متعلقة بـ "يطير"، وتكون الباء للاستعانة. والثاني: أن تتعلق بمحذوف على أنها حال وهي حال مؤكدة، وفيها رفع مجاز يتوهم؛ لأن الطيران يستعار في السرعة، قال: [ ص: 612 ]


                                                                                                                                                                                                                                      1909 - قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم طاروا إليه زرافات ووحدانا



                                                                                                                                                                                                                                      ويطلق الطير على العمل، قال تعالى: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "إلا أمم" خبر المبتدإ، وجمع وإن لم يتقدمه إلا شيئان؛ لأن المراد بها الجنس. و "أمثالكم" صفة لأمم، يعني: أمثالهم في الأرزاق والآجال، والموت والحياة، والحشر والاقتصاص لمظلومها من ظالمها. وقيل: في معرفة الله وعبادته.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "من شيء" فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن "من" زائدة في المفعول به، والتقدير: ما فرطنا شيئا، وتضمن "فرطنا" معنى: تركنا وأغفلنا، والمعنى: ما أغفلنا ولا تركنا شيئا. ثم اختلفوا في الكتاب: ما المراد به ؟ فقيل: اللوح المحفوظ، وعلى هذا فالعموم ظاهر؛ لأن الله تعالى أثبت ما كان وما يكون فيه. وقيل: القرآن، وعلى هذا فهل العموم باق ؟ منهم من قال: نعم، وأن جميع الأشياء مثبتة في القرآن. إما بالصريح وإما بالإيماء، ومنهم من قال: إنه يراد به الخصوص، والمعنى: من شيء يحتاج إليه المكلفون. والثاني: أن "من" تبعيضية؛ أي: ما تركنا ولا أغفلنا في الكتاب بعض شيء يحتاج إليه المكلف. الثالث: أن "من شيء" في محل نصب على المصدر و "من" زائدة فيه أيضا. ولم يجز أبو البقاء غيره، فإنه قال: "من" زائدة، و "شيء" هنا واقع موقع المصدر؛ أي: تفريطا. وعلى هذا التأويل لا يبقى في الآية حجة لمن ظن أن الكتاب يحتوي على ذكر كل شيء صريحا، ونظير ذلك: لا يضركم كيدهم شيئا ، ولا يجوز أن يكون مفعولا به؛ لأن "فرطنا" لا يتعدى بنفسه بل [ ص: 613 ] بحرف الجر، وقد عديت إلى الكتاب بـ "في"، فلا يتعدى بحرف آخر، ولا يصح أن يكون المعنى: ما تركنا في الكتاب من شيء؛ لأن المعنى على خلافه، فبان التأويل بما ذكرنا" انتهى. قوله: "يحتوي على ذكر كل شيء صريحا"، لم يقل به أحد؛ لأنه مكابرة في الضروريات. وقرأ الأعرج وعلقمة: "فرطنا" مخففا، فقيل: هما بمعنى. وعن النقاش: فرطنا: أخرنا، كما قالوا: "فرط الله عنك المرض"؛ أي: أزاله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية