الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 26 ) قوله تعالى: أربعين سنة فيه وجهان، أظهرهما: أنه منصوب بـ "محرمة"، فإنه روي في القصة أنهم بعد الأربعين دخلوها، فيكون قد قيد تحريمها عليهم بهذه المدة، وأخبر أنهم يتيهون، ولم يبين كمية التيه، وعلى هذا ففي "يتيهون" احتملان، أحدهما: أنه مستأنف، والثاني: أنه حال من الضمير في "عليهم". الوجه الثاني: أن "أربعين" منصوب بـ "يتيهون"، فيكون قد قيد التيه بالأربعين، وأما التحريم فمطلق، فيحتمل أن يكون مستمرا وأن يكون منقطعا، وأنها أجلت لهم، وقد قيل بكل من الاحتمالين، روي أنه لم يدخلها أحد ممن كان في التيه، ولم يدخلها إلا أبناؤهم، وأما الآباء فماتوا. وما أدري ما الذي حمل أبا محمد ابن عطية على تجويزه أن يكون العامل في "أربعين" مضمرا يفسره "يتيهون" المتأخر، ولا ما اضطره إلى ذلك من مانع صناعي أو معنوي ؟ وجواز الوقف والابتداء بقوله: "عليهم ويتيهون" مفهومان مما تقدم من الإعراب. [ ص: 237 ]

                                                                                                                                                                                                                                      والتيه: الحيرة، ومنه: أرض تيهاء؛ لحيرة سالكها، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      1715 - بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها



                                                                                                                                                                                                                                      ويقال: "تاه يتيه، وهو أتيه منه، وتاه يتوه، وهو أتوه منه"، فقول من قال: "يتيه، وتوهته" من التداخل، ومثله: "طاح" في كونه سمع في عينه الوجهان، وأن فيه التداخل أيضا، فإن من قال: "يطيح"، قال: طوحته، وهو أطوح منه.

                                                                                                                                                                                                                                      والأسى: الحزن، يقال: أسي - بكسر العين - يأسى، بفتحها. ولام الكلمة تحتمل أن تكون من واو، وهو الظاهر، لقولهم: رجل أسوان، بزنة سكران؛ أي: كثير الحزن، وقالوا في تثنية الأسى: أسوان، وإنما قلبت الواو في "أسي" ياء لانكسار ما قبلها، ويحتمل أن تكون ياء، فقد حكي: رجل أسيان؛ أي: كثير الحزن، فتثنيته على هذا: أسيان.

                                                                                                                                                                                                                                      وعادة الناس يسألون هنا سؤالا، وهو: - كما قال الزمخشري - كيف نوفق بين قوله تعالى: "فإنها محرمة عليهم"، بين قوله: "التي كتب الله لكم" ؟ وأجاب بوجهين، أحدهما: أن يكون كتبها لهم بشرط أن يجاهدوا، فلم [ يجاهدوا ]، والثاني: أن التحريم كان مؤقتا بمدة الأربعين، فلما انتهت دخلوها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية