الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 32 ) قوله تعالى: من أجل ذلك فيه وجهان، أظهرهما: أنه متعلق بـ "كتبنا"، وذلك إشارة إلى القتل، والأجل في الأصل هو الجناية، يقال: أجل الأمر إجلا وأجلا بفتح الهمزة وكسرها: إذا جناه وحده، ومنه قول زهير: [ ص: 248 ]


                                                                                                                                                                                                                                      1719 - وأهل خباء صالح ذات بينهم قد احتربوا في عاجل أنا آجله



                                                                                                                                                                                                                                      أي: جانيه، ومعنى قول الناس: فعلته من أجلك ولأجلك؛ أي: بسببك، يعني: من أن جنيت فعله وأوجبته، وكذلك قولهم: فعلته من جرائك، أصله: من أن جررته، ثم صار يستعمل بمعنى السبب، ومنه الحديث: " من جراي "؛ أي: من أجلي. و "من" لابتداء الغاية؛ أي: نشأ الكتب وابتدأ من جناية القتل، ويجوز حذف "من" واللام، وانتصاب "أجل" على المفعول له إذا استكمل الشروط، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      1720 - أجل أن الله قد فضلكم      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: - أجازه بعض الناس - أن يكون متعلقا بقوله: "من النادمين"؛ أي: ندم من أجل ذلك؛ أي: قتله أخاه، قال أبو البقاء: ولا تتعلق بـ "النادمين"؛ لأنه لا يحسن الابتداء بـ "كتبنا" هنا، وهذا الرد غير واضح، وأين عدم الحسن بالابتداء بذلك ؟ ابتدأ الله إخبارا بأنه كتب ذلك، والإخبار متعلق بقصة ابني آدم، إلا أن الظاهر خلافه كما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      والجمهور على فتح همزة "أجل"، وقرأ أبو جعفر بكسرها، وهي لغة كما تقدم، وروي عنه حذف الهمزة وإلقاء حركتها وهي الكسرة على نون "من"، كما ينقل ورش فتحتها إليها. والهاء في "أنه" ضمير الأمر والشأن. [ ص: 249 ] و "من" شرطية مبتدأة، وهي وخبرها في محل رفع خبرا لـ "أن".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "بغير نفس" فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بالقتل قبلها. والثاني: أنه في محل حال من ضمير الفاعل في "قتل"؛ أي: قتلها ظالما، ذكره أبو البقاء.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "أو فساد" الجمهور على جره عطفا على "نفس" المجرور بإضافة "غير" إليها. وقرأ الحسن بنصبه، وفيه وجهان، أظهرهما: أنه منصوب على المفعول به بعامل مضمر يليق بالمحل؛ أي: أو أتى - أو عمل - فسادا. والثاني: أنه مصدر، والتقدير: أو أفسد فسادا، بمعنى: إفسادا، فهو اسم مصدر، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1721 - ... ... ... ...     وبعد عطائك المئة الرتاعا



                                                                                                                                                                                                                                      ذكره أبو البقاء. و "في الأرض" متعلق بنفس "فساد"؛ لأنك تقول: "أفسد في الأرض"، إلا في قراءة الحسن بنصبه، وخرجناه على النصب على المصدرية - كما ذكره أبو البقاء - فإنه لا يتعلق به؛ لأنه مصدر مؤكد، فقد نصوا على أن المؤكد لا يعمل، فيكون "في الأرض" متعلقا بمحذوف على أنه صفة لـ "فسادا". والفاء في "فكأنما" في الموضعين جواب الشرط واجبة الدخول، و "ما" كافة لحرف التشبيه، والأحسن أن تسمى هنا مهيئة لوقوع الفعل بعدها. و "جميعا": إما حال أو توكيد.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "بعد ذلك في الأرض" هذا الظرف والجار بعده يتعلقان بقوله: "لمسرفون" الذي هو خبر "إن"، ولا تمنع من ذلك لام الابتداء فاصلة بين [ ص: 250 ] العامل ومعموله المتقدم عليه؛ لأن دخولها على الخبر على خلاف الأصل، إذ الأصل دخولها على المبتدإ، وإنما منع منه دخول "إن". و "ذلك" إشارة إلى مجيء الرسل بالبينات.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية