الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 164 ) قوله تعالى: ورسلا قد قصصناهم : الجمهور على نصب "رسلا"، وفيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه منصوب على الاشتغال لوجود شروطه؛ أي: وقصصنا رسلا، والمعنى على حذف مضاف؛ أي: قصصنا أخبارهم، فيكون "قد قصصناهم" لا محل له؛ لأنه مفسر لذلك العامل المضمر، ويقوي هذا الوجه قراءة أبي: "ورسل" بالرفع في الموضعين، والنصب هنا أرجح من الرفع؛ لأن العطف على جملة فعلية، وهي: "وآتينا داود زبورا". الثاني: أنه منصوب عطفا على معنى "أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح"؛ أي: أرسلنا ونبأنا نوحا ورسلا، وعلى هذا فيكون "قد قصصناهم" في محل نصب؛ لأنه صفة لـ "رسلا". الثالث: أنه منصوب بإضمار فعل؛ أي: وأرسلنا رسلا، وذلك أن الآية نزلت رادة على اليهود في إنكارهم إرسال الرسل وإنزال الوحي، كما حكى الله عنهم في قوله: ما أنزل الله على بشر من شيء ، والجملة أيضا في محل الصفة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبي: "ورسل" بالرفع في الموضعين، وفيه تخريجان، أظهرهما: أنه مبتدأ وما بعده خبره، وجاز الابتداء هنا بالنكرة لأحد شيئين؛ إما العطف، كقوله: [ ص: 160 ]


                                                                                                                                                                                                                                      1677 - عندي اصطبار وشكوى عند قاتلتي فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا



                                                                                                                                                                                                                                      وإما التفصيل كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1678 - فأقبلت زحفا على الركبتين     فثوب لبست وثوب أجر



                                                                                                                                                                                                                                      وكقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1679 - إذا ما بكى من خلفها انصرفت له     بشق وشق عندنا لم يحول



                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: - وإليه ذهب ابن عطية - أنه ارتفع على خبر ابتداء مضمر؛ أي: وهم رسل، وهذا غير واضح. والجملة بعد "رسل" على هذا الوجه تكون في محل رفع؛ لوقوعها صفة للنكرة قبلها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ورسلا لم نقصصهم" كالأول. وقوله: "وكلم الله موسى" الجمهور على رفع الجلالة، وهي واضحة. و "تكليما" مصدر مؤكد رافع للمجاز، وهي مسألة يبحث فيها الأصوليون، تحتمل كلاما كثيرا ليس هذا موضعه، على أنه قد جاء التأكيد بالمصدر في ترشيح المجاز، كقول هند بنت النعمان بن بشير في زوجها روح بن زنباع وزير عبد الملك بن مروان:


                                                                                                                                                                                                                                      1680 - بكى الخز من روح وأنكر جلده     وعجت عجيجا من جذام المطارف



                                                                                                                                                                                                                                      تقول: إن زوجها روحا قد بكى ثياب الخز من لبسه؛ لأنه ليس من أهل [ ص: 161 ] الخز، وكذلك صرخت صراخا من جذام - وهي قبيلة روح - ثياب المطارف، تعني: أنهم ليسوا من أهل تلك الثياب، فقولها: "عجت المطارف" مجاز؛ لأن الثياب لا تعج، ثم رشحته بقولها: عجيجا. وقال ثعلب: لولا التأكيد بالمصدر لجاز أن يكون كما تقول: كلمت لك فلانا؛ أي: أرسلت إليه، أو كتبت له رقعة. وقرأ يحيى بن وثاب والنخعي : "وكلم الله موسى" بنصب الجلالة، وهي واضحة أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية