الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 95 ) قوله تعالى: من المؤمنين متعلق بمحذوف لأنه حال، وفي صاحبها وجهان، أحدهما: أنه القاعدون، فالعامل في الحال في الحقيقة يستوي. والثاني: أنه الضمير المستكن في "القاعدون"؛ لأن "أل" بمعنى الذي؛ أي: الذين قعدوا في هذه الحال، ويجوز أن تكون "من" للبيان. [ ص: 76 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: غير أولي الضرر قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وعاصم: "غير" بالرفع، والباقون بالنصب، والأعمش بالجر. والرفع من وجهين، أظهرهما: أنه على البدل من "القاعدون"، وإنما كان هذا أظهر؛ لأن الكلام نفي، والبدل معه أرجح لما قرر في علم النحو. والثاني: أنه رفع على الصفة لـ "القاعدون"، ولا بد من تأويل ذلك؛ لأن "غير" لا تتعرف بالإضافة، ولا يجوز اختلاف النعت والمنعوت تعريفا وتنكيرا، وتأويله: إما بأن القاعدين لما لم يكونوا ناسا بأعيانهم، بل أريد بهم الجنس، أشبهوا النكرة فوصفوا كما توصف، وإما بأن "غير" قد تتعرف إذا وقعت بين ضدين، وهذا كله كما تقدم في إعراب غير المغضوب عليهم في أحد الأوجه، وهذا كله خروج عن الأصول المقررة؛ فلذلك اخترت الأول، ومثله:


                                                                                                                                                                                                                                      1641 - وإذا اقرضت قرضا فاجزه إنما يجزي الفتى غير الجمل



                                                                                                                                                                                                                                      برفع "غير" كذا ذكره أبو علي، والرواية: "ليس الجمل" عند غيره. والنصب على أحد ثلاثة أوجه، الأول: النصب على الاستثناء من “القاعدون" وهو الأظهر؛ لأنه المحدث عنه. والثاني: من “المؤمنين" وليس بواضح. والثالث: على الحال من "القاعدون" والجر على الصفة للمؤمنين، وتأويله كما تقدم في وجه الرفع على الصفة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: في سبيل الله بأموالهم كلا الجارين متعلق بـ "المجاهدون"، و "المجاهدون" عطف على "القاعدون". قوله: "درجة" فيها أربعة أوجه، أحدها: أنها منصوبة على المصدر لوقوع "درجة" موقع المرة من التفضيل، كأنه [ ص: 77 ] قيل: فضلهم تفضيلة، نحو: ضربته سوطا. الثاني: أنها حال من “المجاهدين"؛ أي: ذوي درجة. الثالث: أنها منصوبة انتصاب الظرف؛ أي: في درجة ومنزلة. الرابع: انتصابها على إسقاط الخافض؛ أي: بدرجة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وكلا وعد الله الحسنى : "كلا" مفعول أول لـ "وعد" مقدما عليه، و "الحسنى" مفعول ثان. وقرئ: "وكل" على الرفع بالابتداء، والجملة بعده خبره، والعائد محذوف؛ أي: وعده، وهذه كقراءة ابن عامر في سورة الحديد " وكلا وعد الله الحسنى " . قوله: "أجرا". في نصبه أربعة أوجه، أحدهما: النصب على المصدر من معنى الفعل الذي قبله لا من لفظه؛ لأن معنى "فضل الله": آجر. الثاني: النصب على إسقاط الخافض؛ أي: فضلهم بأجر. الثالث: النصب على أنه مفعول ثان؛ لأنه ضمن "فضل" أعطى؛ أي: أعطاهم أجرا تفضلا منه. الرابع: أنه حال من " درجات " . قال الزمخشري: وانتصب "أجرا" على الحال من النكرة التي هي "درجات" مقدمة عليها. وهو غير ظاهر؛ لأنه لو تأخر عن " درجات " ، لم يجز أن يكون نعتا لـ "درجات" لعدم المطابقة؛ لأن " درجات " جمع و "أجر" مفرد. كذا رده بعضهم، وهي غفلة، فإن "أجرا" مصدر، والأفصح فيه أن يوحد ويذكر مطلقا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية