الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 154 ) قوله تعالى: فوقهم فيه وجهان، الظاهر منهما أنه متعلق بـ "رفعنا"، وأجاز أبو البقاء وجها ثانيا، وهو أن يكون متعلقا بمحذوف؛ لأنه حال من الطور. و "بميثاقهم" متعلق أيضا بالرفع، والباء للسببية، قالوا: وفي الكلام حذف مضاف، تقديره: بنقض ميثاقهم. وقال الزمخشري: "بميثاقهم": بسبب ميثاقهم ليخافوا فلا ينقضوه. وظاهر هذه العبارة أنه يحتاج [ ص: 141 ] إلى حذف مضاف، بل أقول: لا يجوز تقدير هذا المضاف؛ لأنه يقتضي أنهم نقضوا الميثاق، فرفع الله الطور عليهم عقوبة على فعلهم النقض، والقصة تقتضي أنهم هموا بنقض الميثاق، فرفع الله عليهم الطور، فخافوا فلم ينقضوه، وإن كانوا قد نقضوه بعد ذلك. وقد صرح أبو البقاء بأنهم نقضوا الميثاق، وأنه تعالى رفع الطور عقوبة لهم، فقال: تقديره: بنقض ميثاقهم، والمعنى: ورفعنا فوقهم الطور تخويفا لهم؛ بسبب نقضهم الميثاق. وفيه ذلك النظر المتقدم، ولقائل أن يقول: لما هموا بنقضه وقاربوه صح أن يقال: رفعنا الطور فوقهم لنقضهم الميثاق؛ أي: لمقاربتهم نقضه؛ لأن ما قارب الشيء أعطي حكمه، فتصح عبارة من قدر مضافا كأبي البقاء وغيره. والميثاق مصدر مضاف لمفعوله. و "سجدا" حال من فاعل "ادخلوا".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "لا تعدوا" قرأ الجمهور: "تعدوا" بسكون العين وتخفيف الدال من عدا يعدو، كغزا يغزو، والأصل: "تعدووا" بواوين؛ الأولى لام الكلمة، والثانية ضمير الفاعلين، فاستثقلت الضمة على لام الكلمة فحذفت، فالتقى بحذفها ساكنان، فحذف الأول وهو الواو الأولى، وبقيت واو الفاعلين، فوزنه: تفعوا. وقرأ نافع بفتح العين وتشديد الدال، إلا أن الرواة اختلفوا عن قالون عن نافع؛ فرووا عنه تارة بسكون العين سكونا محضا، وتارة إخفاء فتحة العين. فأما قراءة نافع فأصلها: تعتدوا، ويدل على ذلك إجماعهم على: اعتدوا منكم في السبت ، كونه من الاعتداء، وهو افتعال من العدوان، فأريد إدغام تاء الافتعال في الدال، فنقلت حركتها إلى العين وقلبت دالا وأدغمت. وهذه قراءة واضحة. وأما ما يروى عن قالون من السكون المحض، فشيء لا يراه النحويون؛ لأنه جمع بين ساكنين على غير حدهما. وأما الاختلاس [ ص: 142 ] فهو قريب للإتيان بحركة ما، وإن كانت خفية، إلا أن الفتحة ضعيفة في نفسها، فلا ينبغي أن تخفى لتزاد ضعفا، ولذلك لم يجز القراء رومها وقفا لضعفها. وقرأ الأعمش: "تعتدوا" بالأصل الذي أدغمه نافع.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية