الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 69 ) قوله تعالى: من النبيين : فيه أربعة أوجه، أظهرها: أنه بيان للذين أنعم الله عليهم. والثاني: أنه حال من الضمير المجرور في [ ص: 24 ] "عليهم". والثالث: أنه حال من الموصول، وهو في المعنى كالأول، وعلى هذين الوجهين فيتعلق بمحذوف؛ أي: كائنين من النبيين. والرابع: أن يتعلق بـ "يطع" قال الراغب: أي: ومن يطع الله والرسول من النبيين ومن بعدهم، ويكون قوله: فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ، إشارة إلى الملإ الأعلى، ثم قال: وحسن أولئك رفيقا ، ويبين ذلك قوله عليه السلام عند الموت: " اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى "، وهذا ظاهر. انتهى. وقد أفسده الشيخ من جهة المعنى ومن جهة الصناعة. أما من جهة المعنى؛ فلأن الرسول هنا هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر تعالى أنه من يطع الله ورسوله فهو مع من ذكر، ولو جعل "من النبيين" متعلقا بـ "يطع" لكان "من النبيين" تفسيرا لـ "من" الشرطية، فيلزم أن يكون في زمانه عليه السلام أو بعده أنبياء يطيعونه، وهذا غير ممكن؛ لقوله تعالى: "وخاتم النبيين"، وقوله عليه السلام: " لا نبي بعدي ". وأما من جهة الصناعة؛ فلأن ما قبل الفاء الواقعة جوابا للشرط لا يعمل فيما بعدها، لو قلت: إن تضرب يقم عمرو زيدا، لم يجز. وهل هذه الأوصاف الأربعة لصنف واحد من الناس أو لأصناف مختلفة ؟ قولان.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وحسن أولئك رفيقا ، في نصب "رفيقا" قولان، أحدهما: أنه تمييز، والثاني: أنه حال، وعلى تقدير كونه تمييزا فيه احتمالان، أحدهما: أن [ ص: 25 ] يكون منقولا من الفاعلية وتقديره: وحسن رفيق أولئك، فالرفيق على هذا غير المميز، ولا يجوز دخول "من" عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: إلا يكون منقولا، فيكون نفس المميز، وتدخل عليه "من"، وإنما أتى به هنا مفردا لأحد معنيين: إما لأن الرفيق كالخليط والصديق في وقوعها على المفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد، وإما اكتفاء بالواحد عن الجمع لفهم المعنى، وحسن ذلك كونه فاصلة. ويجوز في "أولئك" أن يكون إشارة إلى النبيين ومن بعدهم، وأن يكون إشارة إلى من يطع الله ورسوله، وإنما جمع على معناها، وعلى هذا فيحتمل أن يقال: إنه راعى لفظ "من"، فأفرد في قوله: "رفيقا" ومعناها، فجمع في قوله: "أولئك"، إلا أن البداءة في ذلك بالحمل على اللفظ أحسن، وعلى هذا فيكون قد جمع فيها بين الحمل على اللفظ في "يطع"، ثم على المعنى في أولئك، ثم على اللفظ في "رفيقا".

                                                                                                                                                                                                                                      والجمهور على فتح الحاء وضم السين من "حسن"، وقرأ أبو السمال بفتحها وسكون السين تخفيفا، نحو: "عضد" في "عضد"، وهي لغة تميم، ويجوز: "وحسن" بضم الحاء وسكون السين، كأنهم نقلوا حركة العين إلى الفاء بعد سلبها حركتها، وهذه لغة بعض قيس.

                                                                                                                                                                                                                                      وجعل الزمخشري هذا من باب التعجب، فإنه قال: فيه معنى [ ص: 26 ] التعجب، كأنه قيل: وما أحسن أولئك رفيقا، ولاستقلاله بمعنى التعجب قرئ: "وحسن" بسكون السين، يقول المتعجب: حسن الوجه وجهك، وحسن الوجه وجهك، بالفتح والضم مع التسكين. قال الشيخ: وهو تخليط وتركيب مذهب على مذهب، فنقول: اختلفوا في "فعل" المراد به المدح؛ فذهب الفارسي وأكثر النحويين إلى جواز إلحاقه بباب "نعم، وبئس" فقط، فلا يكون فاعله إلا ما يكون فاعلا لهما. وذهب الأخفش والمبرد إلى جواز إلحاقه بباب "نعم، وبئس"، فيجعل فاعله كفاعلهما، وذلك إذا لم يدخله معنى التعجب، وإلى جواز إلحاقه بفعل التعجب، فلا يجري مجرى "نعم، وبئس" في الفاعل ولا في بقية أحكامهما، فتقول: لضربت يدك، ولضربت اليد، فأخذ التعجب من مذهب الأخفش، والتمثيل من مذهب الفارسي، فلم يتبع مذهبا من المذهبين. وأما جعله التسكين والنقل دليلا على كونه مستقلا بالتعجب، فغير مسلم؛ لأن الفراء حكى ذلك لغة في غير ما يراد به التعجب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية