الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 79 ) قوله تعالى: ما أصابك في "ما" هذه قولان، أحدهما: أنها شرطية وهو قول أبي البقاء، وضعف أن تكون موصولة، قال: "ولا يحسن أن تكون بمعنى الذي؛ لأن ذلك يقتضي أن يكون المصيب لهم ماضيا مخصصا، والمعنى على العموم والشرطية أشبه، والمراد بالآية الخصب والجدب، ولذلك لم يقل: ما أصبت". انتهى. يعني: أن بعضهم يقول: إن المراد بالحسنة الطاعة، وبالسيئة المعصية، ولو كان هذا مرادا لقال: "ما أصبت"؛ لأنه الفاعل للحسنة والسيئة جميعا، فلا تضاف إليه إلا بفعله لهما. والثاني: أنها موصولة بمعنى الذي، وإليه ذهب مكي، ومنع أن تكون شرطية، قال: وليست للشرط؛ لأنها نزلت في شيء بعينه، وهو الجدب والخصب، والشرط لا يكون إلا مبهما، يجوز أن يقع وإلا يقع، وإنما دخلت الفاء للإبهام الذي في "الذي" مع أن صلته فعل، فدل ذلك على أن الآية ليست في المعاصي والطاعات، كما قال أهل الزيغ، وأيضا فإن اللفظ "ما أصابك"، ولم يقل: ما أصبت. انتهى. والأول أظهر؛ لأن الشرطية أصل في الإبهام - كما ذكر أبو البقاء - والموصولة فبالحمل عليها. وقول مكي: لأنها نزلت في شيء بعينه. هذا يقتضي ألا يشبه الموصول بالشرط؛ لأنه لا يشبه به حتى يراد به الإبهام لا شيء بعينه، وإلا فمتى أريد به شيء بعينه لم يشبه بالشرط، فلم تدخل الفاء في خبره، نص النحويون على ذلك، وفي المسألة خلاف منتشر، ليس هذا موضعه. فعلى الأول "أصابك" في محل جزم بالشرط، وعلى الثاني لا محل له لأنه صلة. [ ص: 48 ]

                                                                                                                                                                                                                                      و "من حسنة" الكلام فيه كالكلام في قوله: ما ننسخ من آية ، وقد تقدم، والفاء في "فمن الله" جواب الشرط على الأول وزائدة على الثاني، والجار بعدها خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فهو من الله، والجملة: إما في محل جزم أو رفع على حسب القولين. واختلف في كاف الخطاب، فقيل: المراد: كل أحد. وقيل: الرسول، والمراد: أمته. وقيل: الفريق في قوله: "إذا فريق"، وذلك لأن "فريقا" اسم جمع فله لفظ ومعنى، فراعى لفظه فأفرد، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1617 - تفرق أهلانا ببين فمنهم فريق أقام واستقل فريق



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل في قوله: "فمن نفسك": إن همزة الاستفهام محذوفة، تقديره: أفمن نفسك، وهو كثير، كقوله تعالى: وتلك نعمة تمنها ، وقوله تعالى: بازغا قال هذا ربي ، ومنه:


                                                                                                                                                                                                                                      1618 - رفوني وقالوا: يا خويلد لا ترع     فقلت وأنكرت الوجوه هم هم



                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: [ ص: 49 ]


                                                                                                                                                                                                                                      1619 - أفرح أن أرزأ الكرام وأن     أورث ذودا شصائصا نبلا



                                                                                                                                                                                                                                      تقديره: وأتلك، وأهذا ربي، وأهم هم، وأأفرح، وهذا لم يجزه من النحاة إلا الأخفش، وأما غيره فلم يجزه إلا قبل "أم"، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1620 - لعمرك ما أدري وإن كنت داريا     بسبع رمين الجمر أم بثمان



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: ثم قول مقدر؛ أي: لا يكادون يفقهون حديثا، يقولون: ما أصابك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأت عائشة: "فمن نفسك" بفتح ميم "من" ورفع السين، على الابتداء والخبر؛ أي: أي شيء نفسك حتى ينسب إليها فعل ؟

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "رسولا" فيه وجهان، أحدهما: أنه حال مؤكدة. والثاني: أنه مصدر مؤكد بمعنى إرسال، ومن مجيء "رسول" مصدرا قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1621 - لقد كذب الواشون ما بحت عندهم     بسر ولا أرسلتهم برسول



                                                                                                                                                                                                                                      أي: بإرسال، بمعنى: رسالة. و "للناس" يتعلق بـ "أرسلناك" واللام للعلة. وأجاز أبو البقاء أن يكون حالا من "رسولا"، كأنه جعله في الأصل صفة للنكرة فقدم عليها، وفيه نظر. [ ص: 50 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية