الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 66 ) قوله تعالى: لأكلوا من فوقهم : مفعول الأكل هنا محذوف اقتصارا؛ أي: لوجد منهم هذا الفعل، و "من فوقهم" متعلق به؛ أي: لأكلوا من الجهتين. وقال أبو البقاء: إن "من فوقهم" صفة لمفعول محذوف؛ أي: لأكلوا رزقا كائنا من فوقهم. وقوله: "منهم" خبر مقدم، و "أمة" مبتدأ، و "مقتصدة" صفتها، وعلى رأي الأخفش يجوز أن تكون "أمة" فاعلا [ ص: 348 ] بالجار. وقوله: منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ، تنويع في التفصيل، فأخبر في الجملة الأولى بالجار والمجرور، ووصف المبتدأ بالاقتصاد، ووصف المبتدأ في الجملة الثانية بـ "منهم"، وأخبر عنه بجملة قوله: "ساء ما يعملون"، وذلك لأن الطائفة الأولى ممدوحة فوصفوا بالاقتصاد، وأخبر عنهم بأنهم من جملة أهل الكتاب، فإن الوصف ألزم من الخبر، فإنهم إذا أسلموا زال عنهم هذا الاسم، وأما الطائفة الثانية فإنهم وصفوا بكونهم من أهل الكتاب، فإن الوصف ألزم، وهم كفار فهم منهم، وأخبر عنهم بالجملة الذمية، فإن الخبر ليس بلازم، وقد يسلم منهم ناس فيزول عنهم الإخبار بذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      و "ساء" هذه يجوز فيها ثلاثة أوجه، أحدها: أن تكون تعجبا، كأنه قيل: ما أسوأ عملهم، ولم يذكر الزمخشري غير هذا الوجه، ولكن النحاة لما ذكروا صيغ التعجب لم يعدوا فيها "ساء"، فإن أراد من جهة المعنى، لا من [ جهة ] التعجب المبوب له في النحو، فقريب. الثاني: أنها بمعنى "بئس"، فتدل على الذم، كقوله تعالى: "ساء مثلا القوم"، وعلى هذين القولين فـ "ساء" غير متصرفة؛ لأن التعجب والمدح والذم لا تتصرف أفعالهما. الثالث: أن تكون "ساء" المتصرفة، نحو: ساء يسوء، ومنه: "ليسوءوا وجوهكم"، "سيئت وجوه الذين كفروا"، والمتصرفة متعدية، قال تعالى: "ليسوءوا وجوهكم"، فأين مفعول هذه ؟ قيل: هو محذوف، تقديره: ساء عملهم المؤمنين، والتي بمعنى "بئس" لا بد لها من مميز، وهو هنا محذوف، تقديره: ساء عملا الذي كانوا يعملونه. والحرب مؤنثة، وهي في الأصل مصدر، وقد تقدم الكلام عليها في البقرة. [ ص: 349 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية