الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 115 ) وقرأ نافع، وابن عامر، وعاصم: منزلها بالتشديد، فقيل: إن أنزل ونزل بمعنى، وقد تقدم تحقيق ذلك. وقيل: التشديد للتكثير، ففي التفسير أنها نزلت مرات متعددة، وأما ننزل فقدم تحقيق الخلاف فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 115 ) قوله تعالى: بعد : متعلق بـ "يكفر"، وبني لقطعه عن الإضافة، إذ الأصل: بعد الإنزال. و "منكم" متعلق بمحذوف؛ لأنه حال من فاعل "يكفر". وقوله: "عذابا" فيه وجهان، أظهرهما: أنه اسم مصدر بمعنى التعذيب، أو مصدر على حذف الزوائد، نحو: "عطاء ونبات" لـ "أعطى" و "أنبت"، وانتصابه على المصدرية بالتقديرين المذكورين. والثاني - أجازه أبو البقاء -: أن يكون مفعولا به على السعة، يعني: جعل الحدث مفعولا به مبالغة، وحينئذ يكون نصبه على التشبيه بالمفعول به، والمنصوب على التشبيه بالمفعول به عند النحاة ثلاثة أنواع: معمول الصفة المشبهة، والمصدر، والظرف المتسع فيهما، أما المصدر فكما تقدم، وأما الظرف فنحو: "يوم الجمعة صمته"، ومنه قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1856 - ويوم شهدناه سليما وعامرا قليل سوى الطعن النهال نوافله [ ص: 510 ]



                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري : "ولو أريد بالعذاب ما يعذب به، لكان لا بد من الباء". قلت: إنما قال ذلك؛ لأن إطلاق العذاب على ما يعذب به كثير، فخاف أن يتوهم ذلك، وليس لقائل أن يقول: كان الأصل: بعذاب، ثم حذف الحرف فانتصب المجرور به؛ لأن ذلك لم يطرد إلا مع "أن" و "أن" بشرط أمن اللبس.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "لا أعذبه" الهاء فيها ثلاثة أوجه، أظهرها: أنها عائدة على "عذاب" الذي تقدم أنه بمعنى التعذيب، التقدير: فإني أعذبه تعذيبا لا أعذب مثل ذلك التعذيب أحدا، والجملة في محل نصب صفة لـ "عذابا"، وهذا وجه سالم من تكلف ستراه في غيره. ولما ذكره أبو البقاء هذا الوجه - أعني: عودها على "عذابا" المتقدم - قال: "وفيه على هذا وجهان، أحدهما: على حذف حرف الجر؛ أي: لا أعذب به أحدا، والثاني: أنه مفعول به على السعة". قلت: أما قوله: "حذف الحرف" فقد عرفت أنه لا يجوز إلا فيما استثني. الثاني من أوجه الهاء: أنها تعود على "من" المتقدمة في قوله: "فمن يكفر"، والمعنى: لا أعذب مثل عذاب الكافر أحدا، ولا بد من تقدير هذين المضافين ليصح المعنى. قال أبو البقاء في هذا الوجه: "وفي الكلام حذف؛ أي: لا أعذب الكافر؛ أي: مثل الكافر؛ أي: مثل عذاب الكافر". الثالث: أنها ضمير المصدر المؤكد نحو: "ظننته زيدا قائما"، ولما ذكر أبو البقاء هذا الوجه اعترض على نفسه، فقال: "فإن قلت: "لا أعذبه" صفة لـ "عذاب"، وعلى هذا التقدير لا يعود من الصفة على الموصوف شيء. قيل: إن الثاني لما كان واقعا موقع المصدر، والمصدر جنس و "عذابا" نكرة، كان الأول داخلا في [ ص: 511 ] الثاني، والثاني مشتمل على الأول، وهو مثل: "زيد نعم الرجل" انتهى. فجعل الرابط العموم، وهذا الذي ذكره من أن الربط بالعموم إنما ذكره النحويون في الجملة الواقعة خبرا لمبتدأ، ولذلك نظره أبو البقاء بـ "زيد نعم الرجل"، وهذا لا ينبغي أن يقاس عليه؛ لأن الربط يحصل في الخبر بأشياء لا تجوز في الجملة الواقعة صفة، وهذا منها، ثم هذا الاعتراض الذي ذكره وارد عليه في الوجه الثاني؛ فإن الجملة صفة لـ "عذابا" وليس فيها ضمير، فإن قيل: ليست هناك بصفة، قيل: يفسد المعنى بتقدير الاستئناف، وعلى تقدير صحته فلتكن هنا أيضا مستأنفة. و "أحدا" منصوب على المفعول الصريح. و "من العالمين" صفة لـ "أحدا"، فيتعلق بمحذوف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية