الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 123 ) قوله تعالى: ليس بأمانيكم في "ليس" ضمير هو اسمها، وفيه خلاف؛ فقيل: يعود على ملفوظ به، وقيل: يعود على ما دل عليه اللفظ من الفعل، وقيل: يدل عليه سبب الآية. فأما عوده على ملفوظ به [ ص: 96 ] فقيل: هو الوعد المتقدم في قوله: "وعد الله"، وهذا ما اختاره الزمخشري، قال: في "ليس" ضمير "وعد الله"؛ أي: ليس ينال ما وعد الله من الثواب بأمانيكم ولا بأماني أهل الكتاب. والخطاب للمسلمين؛ لأنه يؤمن بوعد الله إلا من آمن به. وهذا وجه حسن. وأما عوده على ما يدل عليه اللفظ، فقيل: هو الإيمان المفهوم من قوله: "والذين آمنوا"، وهو قول الحسن، وعنه: ليس الإيمان بالتمني. وأما عوده على ما يدل عليه السبب، فقيل: يعود على مجاورة المسلمين مع أهل الكتاب، وذلك أن بعضهم قال: ديننا قبل دينكم، ونبينا قبل نبيكم، فنحن أفضل، وقال المسلمون: كتابنا يقضي على كتابكم، ونبينا خاتم الأنبياء، فنزلت. وقيل: يعود على الثواب والعقاب؛ أي: ليس الثواب على الحسنات ولا العقاب على السيئات بأمانيكم. وقيل: قالت اليهود: نحن أنبياء الله وأحباؤه، ونحن أصحاب الجنة، وكذلك النصارى. وقالت كفار قريش: لا نبعث، فنزلت؛ أي: ليس ما ادعيتموه يا كفار قريش بأمانيكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن ، وأبو جعفر، وشيبة بن نصاح، والحكم، والأعرج: "أمانيكم، ولا أماني" بالتخفيف، كأنهم جمعوه على فعالل دون فعاليل، كما قالوا: قرقور وقراقير وقراقر، والعرب تنقص من فعاليل الياء، كما تزيدها في فعالل، نحو قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1655 - ... ... ... ... تنقاد الصياريف

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 97 ] وقوله: "من يعمل" جملة مستأنفة مؤكدة لحكم الجملة قبلها. وقرأ الجمهور: "ولا يجد" جزما، على عطفه على جواب الشرط، وروي عن ابن عامر رفعه، وهو على القطع عن النسق. ثم يحتمل أن يكون مستأنفا، وأن يكون حالا، كذا قيل، وفيه نظر من حيث إن المضارع المنفي بـ "لا" لا يقترن بالواو إذا وقع حالا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: من الصالحات من ذكر "من" الأولى للتبعيض؛ لأن المكلف لا يطيق عمل كل الصالحات. وقال الطبري: هي زائدة عند قوم. وفيه ضعف لعدم الشرطين. و "من" الثانية للتبيين. وأجاز أبو البقاء أن تكون حالا، وفي صاحبها وجهان، أحدهما: أنه الضمير المرفوع بـ "يعمل"، والثاني: أنه الصالحات؛ أي: الصالحات كائنة من ذكر أو أنثى، وقد تقدم إيضاح هذا في قوله: لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ، والكلام على "أو" أيضا. وقوله: "وهو مؤمن" جملة حالية من فاعل "يعمل". وقرأ أبو عمرو، وابن كثير، وأبو بكر عن عاصم: "يدخلون" هنا، وفي مريم، وأول غافر، بضم حرف المضارعة وفتح الخاء مبنيا للمفعول، وانفرد ابن كثير وأبو بكر بثانية غافر، وأبو عمرو بالتي في فاطر والباقون بفتح حرف [ ص: 98 ] المضارعة وضم الخاء مبنيا للفاعل، وذلك للتفنن في البلاغة، وقد يظهر فروق لا يسعها هذا الكتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية