الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 28 ) قوله تعالى: بل بدا : "بل" هنا لانتقال من قصة إلى أخرى، وليست للإبطال، وعبارة بعضهم توهم أن فيها إبطالا لكلام الكفرة، فإنه قال: "بل" رد لما تمنوه؛ أي: ليس الأمر على ما قالوه؛ لأنهم لم يقولوا ذلك رغبة في الإيمان، بل قالوه إشفاقا من العذاب وطمعا في الرحمة. قال الشيخ: "ولا أدري ما هذا الكلام ؟". قلت: ولا أدري ما وجه عدم الدراية منه ؟ وهو كلام صحيح في نفسه، فإنهم لما قالوا: يا ليتنا، كأنهم قالوا: تمنينا، ولكن هذا التمني ليس بصحيح؛ لأنهم إنما قالوه تقية، فقد يتمنى الإنسان شيئا بلسانه وقلبه فارغ منه. وقال الزجاج: "بل" هنا استدراك وإيجاب نفي، كقولهم: ما قام زيد بل قام عمرو". قال الشيخ: "ولا أدري ما النفي الذي سبق حتى توجبه "بل" ؟ قلت: الظاهر أن النفي الذي أراده الزجاج هو الذي في قوله: ولا نكذب بآيات ربنا ، إذا جعلناه مستأنفا على تقدير: ونحن لا نكذب، والمعنى: بل إنهم مكذبون.

                                                                                                                                                                                                                                      وفاعل "بدا" قوله: "ما كانوا"، و "ما" يجوز أن تكون موصولة اسمية وهو الظاهر؛ أي: ظهر لهم الذي كانوا يخفونه، والعائد محذوف. ويجوز أن تكون مصدرية؛ أي: ظهر لهم إخفاؤهم؛ أي: عاقبته، أو أطلق المصدر على اسم المفعول، وهو بعيد، والظاهر أن الضميرين، أعني: المجرور والمرفوع في قوله: بدا لهم ما كانوا يخفون عائدان على شيء واحد، وهم الكفار أو اليهود والنصارى خاصة. وقيل: المجرور للأتباع والمرفوع للرؤساء؛ أي: بل بدا للأتباع ما كان الوجهاء المتبعون يخفونه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ولو ردوا" قرأ الجمهور بضم الراء خالصا. وقرأ الأعمش، [ ص: 592 ] ويحيى بن وثاب، وإبراهيم: "ردوا" بكسرها خالصا. وقد عرفت أن الفعل الثلاثي المضاعف العين واللام يجوز في فائه إذا بني للمفعول ثلاثة الأوجه المذكورة في فاء الثلاثي المعتل العين إذا بني للمفعول، نحو: قيل وبيع، وقد تقدم ذلك. وقال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      1897 - وما حل من جهل حبا حلمائنا ولا قائل المعروف فينا يعنف



                                                                                                                                                                                                                                      بكسر الحاء.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وإنهم لكاذبون" تقدم الكلام على هذه الجملة: هل هي مستأنفة أو راجعة إلى قوله: "يا ليتنا" ؟

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية