الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 171 ) قوله تعالى: والغلو: تجاوز الحد، ومنه: غلوة السهم، وغلاء السعر. قوله: "إلا الحق" هذا استثناء مفرغ، وفي نصبه وجهان، أحدهما: أنه مفعول به؛ لأنه تضمن معنى القول، نحو: قلت خطبة. والثاني: أنه نعت مصدر محذوف؛ أي: إلا القول الحق، وهو قريب في المعنى من الأول. وقرأ جعفر بن محمد: "المسيح" بوزن السكيت، كأنه جعله مثال مبالغة، نحو: شريب العسل، و "المسيح" مبتدأ بعد "إن" المكفوفة، و "عيسى" بدل منه أو عطف بيان، و "ابن مريم" صفته، و "رسول الله" خبر المبتدإ، و "كلمته" عطف عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      و "ألقاها" جملة ماضية في موضع الحال، و "قد" معها مقدرة. وفي عامل الحال ثلاثة أوجه نقلها أبو البقاء؛ أحدها: أنه معنى "كلمة"؛ لأن معنى [ ص: 166 ] وصف عيسى بالكلمة: المكون بالكلمة من غير أب، فكأنه قال: ومنشؤه ومبتدعه. والثاني: أن يكون التقدير: إذ كان ألقاها، فـ "إذا" ظرف زمان مستقبل، و "كان" تامة، وفاعلها ضمير الله تعالى، و "ألقاها" حال من ذلك الفاعل، وهو كقولهم: ضربني زيدا قائما. والثالث: أن يكون حالا من الهاء المجرورة، والعامل فيها معنى الإضافة، تقديره: وكلمة الله ملقيا إياها. انتهى. أما جعله العامل معنى "كلمة" فصحيح، لكنه لم يبين في هذا الوجه من هو صاحب الحال ؟ وصاحب الحال الضمير المستتر في "كلمته" العائد على عيسى، لما تضمنته من معنى المشتق، نحو: منشأ ومبتدع، وأما جعله العامل معنى الإضافة فشيء ضعيف، ذهب إليه بعض النحويين. وأما تقديره الآية بمثل "ضربي زيدا قائما"، ففاسد من حيث المعنى. والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      و "روح" عطف على "كلمة"، و "منه" صفة لـ "روح"، و "من" لابتداء الغاية مجازا، وليست تبعيضية. ومن غريب ما يحكى أن بعض النصارى ناظر علي بن الحسين بن واقد المروزي، وقال: في كتاب الله ما يشهد أن عيسى جزء من الله، وتلا: "وروح منه"، فعارضه ابن واقد بقوله تعالى: وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ، وقال: يلزم أن تكون تلك الأشياء جزءا من الله تعالى، وهو محال بالاتفاق؛ فانقطع النصراني وأسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      و "ثلاثة" خبر مبتدأ مضمر، والجملة من هذا المبتدإ والخبر في محل نصب بالقول؛ أي: ولا تقولوا: آلهتنا ثلاثة، يدل عليه قوله بعد ذلك: إنما الله إله واحد ، وقيل: تقديره: الأقانيم ثلاثة أو المعبود ثلاثة. وقال [ ص: 167 ] الفارسي: تقديره: الله ثالث ثلاثة، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، يريد بذلك موافقة قوله: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "انتهوا خيرا لكم" نصب "خيرا" هنا كنصبه فيما تقدم في جميع وجوهه ونسبته إلى قائليه. و "أن يكون له ولد" تقديره: من أن يكون، أو عن أن يكون؛ لأن معنى "سبحان": التنزيه، فكأنه قيل: نزهوه عن أن يكون، أو من أن يكون له ولد، فيجيء في محل "أن" الوجهان المشهوران. و "واحد" نعت على سبيل التوكيد، وظاهر كلام مكي أنه نعت لا على سبيل التوكيد، فإنه قال: "والله" مبتدأ، و "إله" خبره، ، و "واحد" نعت تقديره: إنما الله منفرد في إلهيته. وقيل: "واحد" تأكيد بمنزلة لا تتخذوا إلهين اثنين ، ويجوز أن يكون "إله" بدلا من "الله"، و "واحد" خبره، تقديره: إنما المعبود واحد. وقوله: أن يكون له ولد تقدم نظيره. وقرأ الحسن: "إن يكون" بكسر الهمزة ورفع "يكون" على أن "إن" نافية؛ أي: ما يكون له ولد، فعلى قراءته يكون هذا الكلام جملتين، وعلى قراءة العامة يكون جملة واحدة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية