الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 46 ) قوله تعالى: أرأيتم إن أخذ الله المفعول الأول محذوف تقديره: أرأيتم سمعكم وأبصاركم إن أخذها الله، والجملة الاستفهامية في موضع الثاني، وقد تقدم أن الشيخ يجعله من التنازع، وجواب الشرط محذوف على نحو ما مر. وقال الحوفي: "وحرف الشرط وما اتصل به في موضع نصب على الحال، والعامل في الحال "أرأيتم"، كقولك: "اضربه إن خرج"؛ أي: خارجا، وجواب الشرط ما تقدم مما دخلت عليه همزة [ ص: 636 ] الاستفهام"، وهذا إعراب لا يظهر. ولم يؤت هنا بكاف الخطاب وأتي به هناك؛ لأن التهديد هناك أعظم، فناسب التأكيد بالإتيان بكاف الخطاب، ولما لم يؤت بالكاف وجب بروز علامة الجمع في التاء لئلا يلتبس، ولو جيء معها بالكاف لاستغني بها كما تقدم، وتوحيد السمع وجمع الأبصار مفهوم مما تقدم في البقرة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "من إله" مبتدأ وخبر، و "من" استفهامية، "وغير الله" صفة بـ "إله"، و "يأتيكم" صفة ثانية، والهاء في "به" تعود على سمعكم. وقيل: تعود على الجميع. ووحد ذهابا به مذهب اسم الإشارة. وقيل: تعود على الهدي المدلول عليه بالمعنى. وقيل: يعود على المأخوذ والمختوم المدلول عليهما بالأخذ والختم. والاستفهام هنا للإنكار.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "انظر كيف نصرف": "كيف" معمولة لنصرف، ونصبها: إما على التشبيه بالحال أو التشبيه بالظرف، وهي معلقة لـ "انظر"، فهي في محل نصب بإسقاط حرف الجر، وهذا كله ظاهر مما تقدم. "ويصدفون" معناه: يعرضون، يقال: صدف عن الشيء صدفا وصدوفا وصدافية، قال عدي بن الرقاع:


                                                                                                                                                                                                                                      1929 - إذا ذكرن حديثا قلن أحسنه وهن عن كل سوء يتقى صدف



                                                                                                                                                                                                                                      "صدف" جمع صدوف، كـ "صبر" في جمع صبور، وقيل: معنى صدف: مال، مأخوذ من الصدف في البعير، وهو أن يميل خفه من اليد إلى الرجل من الجانب الوحشي. والصدف جمع صدفة، وهي المحارة التي تكون فيها الدرة، قال: [ ص: 637 ]


                                                                                                                                                                                                                                      1930 - وزادها عجبا أن رحت في سبل     وما درت دوران الدر في الصدف



                                                                                                                                                                                                                                      والصدف والصدف بفتح الصاد والدال وضمهما، وضم الصاد وسكون الدال ناحية الجبل المرتفع، وسيأتي لهذا مزيد بيان.

                                                                                                                                                                                                                                      والجمهور: "به انظر" بكسر الهاء على الأصل، وروى المسيبي عن نافع: "به انظر" بضمها نظرا إلى الأصل. وقرأ الجمهور أيضا: "نصرف" مضعفا، وقرئ شاذا: "نصرف" بكسر الراء من صرف ثلاثيا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "هل يهلك" هذا استفهام بمعنى النفي؛ ولذلك دخلت "إلا"، وهو استثناء مفرغ، والتقدير: ما يهلك إلا القوم الظالمون. وهذه الجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني لـ "أرأيتكم" والأول محذوف، وهذا من التنازع على رأي الشيخ كما تقدم تقريره. وقال أبو البقاء : "الاستفهام ههنا بمعنى التقرير، فلذلك ناب عن جواب الشرط؛ أي: إن أتاكم هلكتم، والظاهر ما قدمته، ويجيء هنا قول الحوفي المتقدم في الآية قبلها من كون الشرط حالا. وقرأ ابن محيصن: "هل يهلك" مبنيا للفاعل. وتقدم الكلام أيضا على "بغتة" اشتقاقا وإعرابا".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية