الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 60 ) قوله تعالى: بالليل متعلق بما قبله على أنه ظرف له، والباء تأتي بمعنى "في"، وقد قدمت منه جملة صالحة. وقال أبو البقاء هنا: "وجاز ذلك؛ لأن الباء للإلصاق، والملاصق للزمان والمكان حاصل فيهما"، يعني: فهذه العلاقة المجوزة للتجوز، وعلى هذا فلا حاجة إلى أن ينوب حرف مكان آخر، بل نقول: هي هنا للإلصاق مجازا، نحو ما قالوه في "مررت بزيد". وأسند التوفي هنا إلى ذاته المقدسة؛ لأنه لا ينفر منه هنا؛ إذ المراد به الدعة والراحة، وأسنده إلى غيره في قوله تعالى: "توفته رسلنا"، "يتوفاكم ملك الموت"؛ لأنه ينفر منه، إذ المراد به الموت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "ما جرحتم" الظاهر أنها مصدرية، وإن كان كونها موصولة اسمية أكثر، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة بما بعدها، والعائد على كلا التقديرين الآخرين محذوف، وكذا عند الأخفش وابن السراج على القول الأول. و "بالنهار" كقوله: "بالليل"، والضمير في "فيه" عائد على النهار، هذا هو الظاهر. قال الشيخ: "عاد عليه لفظا، والمعنى: في يوم آخر، كما تقول: عندي درهم ونصفه". قلت: ولا حاجة في الظاهر إلى عوده على نظير المذكور؛ إذ عوده على المذكور لا محذور فيه، وأما من نحو: "درهم ونصفه"، فلضرورة انتفاء العي من الكلام، قالوا: لأنك إذا قلت: "عندي درهم"، علم أن عندك نصفه ضرورة، فقولك بعد ذلك: "ونصفه" تضطر إلى [ ص: 664 ] عوده إلى نظير ما عندك بخلاف ما نحن فيه. وقيل: يعود على الليل. وقيل: يعود على التوفي، وهو النوم؛ أي: يوقظكم في خلال النوم. وقال الزمخشري : "ثم يبعثكم من القبور في شأن الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل، وكسب الآثام بالنهار" انتهى. وهو حسن.

                                                                                                                                                                                                                                      وخص الليل بالتوفي والنهار بالكسب، وإن كان قد ينام في هذا، ويكسب في الآخر اعتبارا بالحال الأغلب. وقدم التوفي بالليل؛ لأنه أبلغ في المنة عليهم، ولا سيما عند من يخص الجرح بكسب الشر دون الخير.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ليقضى أجل" الجمهور على "ليقضى" مبنيا للمفعول، و "أجل" رفع به، وفي الفاعل المحذوف احتمالان، أحدهما: أنه ضمير الباري تعالى. والثاني: أنه ضمير المخاطبين؛ أي: لتقضوا؛ أي: لتستوفوا آجالكم. وقرأ أبو رجاء وطلحة: "ليقضي" مبنيا للفاعل وهو الله تعالى، "أجلا" مفعول به، و "مسمى" صفة، فهو مرفوع على الأول ومنصوب على الثاني، ويترتب على ذلك خلاف للقراء في إمالة ألفه قد أوضحته في " شرح القصيد ". واللام في "ليقضى" متعلقة بما قبلها من مجموع الفعلين؛ أي: يتوفاكم ثم يبعثكم لأجل ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية