الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 71 ) "والحذر والحذر": لغتان بمعنى. قيل: ولم يسمع في هذا التركيب إلا: "خذ حذرك" بالكسر، لا "حذرك". قوله: "ثبات" نصب على الحال، وكذا [ "جميعا"، والمعنى: انفروا جماعات في تفرقة سرية بعد سرية، أو مجتمعين كوكبة واحدة ]. قال الشيخ: ولم يقرأ فيما علمت إلا بكسر التاء. انتهى. وهذه هي اللغة الفصيحة. وبعض العرب ينصب جمع المؤنث السالم، إذا كان معتل اللام معوضا منها تاء التأنيث بالفتحة، وأنشد الفراء .


                                                                                                                                                                                                                                      1604 - فلما جلاها بالأيام تحيزت ثباتا عليها ذلها واكتئابها



                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ شاذا: "ويجعلون لله البنات" بالفتحة. وحكي: سمعت لغاتهم. وزعم الفارسي أن الوارد من ذلك مفرد ردت لامه؛ لأن الأصل: "لغوة"، فلما ردت اللام قلبت ألفا، وقد رد على الفارسي بأنه يلزمه الجمع بين العوض والمعوض منه، ويرد عليه أيضا القراءة المتقدمة في "البنات"؛ لأن [ ص: 28 ] المفرد منه مكسور الفاء، وهذه المسألة قد أوضحتها في كتابي " شرح التسهيل " غاية الإيضاح.

                                                                                                                                                                                                                                      و "ثبات" جمع ثبة، ووزنها في الأصل: فعلة، كحطمة، وإنما حذفت لامها وعوض منها تاء التأنيث، وهل لامها واو أو ياء ؟ قولان، حجة القول الأول أنها مشتقة من "ثبا، يثبوا" كـ "خلا، يخلو"؛ أي: اجتمع. وحجة الثاني أنها مشتقة من "ثبيت على الرجل" إذا أثنيت عليه، كأنك جمعت محاسنة، وتجمع بالألف والتاء، وبالواو والنون، ويجوز في فائها حين تجمع على "ثبين" الضم والكسر، وكذا كل ما أشبهها، نحو: "قلة، وبرة" ما لم تجمع جمع تكسير. والثبة: الجماعة من الرجال تكون فوق العشرة. وقيل: الاثنان والثلاثة، وتصغر على "ثبية" برد المحذوف، وأما "ثبة الحوض" وهي وسطه، فالمحذوف عينها؛ لأنها من باب يثوب الماء؛ أي: يرجع، تصغر على "ثويبة"، كقولك في تصغير "سنة": سنيهة.

                                                                                                                                                                                                                                      والنفر: الفزع، يقال: نفر إليه؛ أي: فزع إليه، وفي مضارعه لغتان: ضم العين وكسرها، وقيل: يقال: نفر الرجل ينفر بالكسر، ونفرت الدابة تنفر بالضم، ففرقوا بينهما في المضارع، وهذا الفرق يرده قراءة الأعمش: "فانفروا، أو انفروا" بالضم فيهما. والمصدر: النفير والنفور والنفر، والنفر: الجماعة، كالقوم والرهط.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وإن منكم لمن ليبطئن : "منكم" خبر مقدم لـ "إن"، واسمها "لمن"، دخلت اللام على الاسم تأكيدا لما فصل بينه وبينها بالخبر، و "من" يجوز أن تكون موصولة أو نكرة موصوفة، واللام في "ليبطئن" فيها قولان، أصحهما: أنها [ ص: 29 ] جواب قسم محذوف تقديره: أقسم الله ليبطئن، والجملتان - أعني: القسم وجوابه - صلة لـ "من"، أو صفة لها على حسب القولين المتقدمين، والعائد على كلا التقديرين هو الضمير المرفوع بـ "ليبطئن"، والتقدير: وإن منكم للذي - أو لفريقا - والله ليبطئن. واستدل بعض النحاة بهذه الآية على أنه يجوز وصل الموصول بجملة القسم وجوابه إذا عريت جملة القسم من ضمير عائد على الموصول، نحو: "جاء الذي أحلف بالله لقد قام أبوه"، وجعله ردا على قدماء النحاة، حيث زعموا منع ذلك، ولا دلالة في ذلك؛ إذ لقائل أن يقول: ذلك القسم المحذوف لا أقدره إلا مشتملا على ضمير عائد الموصول.

                                                                                                                                                                                                                                      والقول الثاني - نقله ابن عطية عن بعضهم -: أنها لام التأكيد بعد تأكيد، وهذا خطأ من قائله. والجمهور على "ليبطئن" بتشديد الطاء، ومجاهد بالتخفيف، وعلى كلتا القراءتين يحتمل أن يكون الفعل لازما ومتعديا، يقال: أبطأ وبطأ، بمعنى: بطؤ؛ أي: تكاسل وتثبط، فهذان لازمان، وإن قدر أنهما متعديان فمفعولهما محذوف؛ أي: ليبطئن غيره؛ أي: يثبطه ويجبنه عن القتال. و "إذا لم أكن" ظرف ناصبه "أنعم الله".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية