الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 23 ) قوله تعالى: من الذين يخافون هذا الجار والمجرور في محل رفع صفة لـ "رجلان"، ومفعول "يخافون" محذوف، تقديره: يخافون الله أو يخافون العدو، ولكن ثبتهما الله تعالى بالإيمان والثقة به حتى قالوا هذه المقالة، ويؤيد التقدير الأول التصريح بالمفعول في قراءة ابن مسعود: "يخافون الله"، وهذان التأويلان بناء على ما هو المشهور عند الجمهور من كون الرجلين القائلين ذلك من قوم موسى، وهما يوشع وكالب، وقيل: الرجلان من الجبارين، ولكن أنعم الله عليهما بالإيمان حتى قالا هذه المقالة، يحرضهم على قومهم لمعاداتهم لهم في الدين، وعلى هذا القول فيحتمل أن يكون مفعول "يخافون" كما تقدم؛ أي: يخافون الله أو العدو، والمعنى كما تقدم، ويحتمل أن يكون المفعول ضميرا عائدا على الموصول، ويكون الضمير المرفوع في "يخافون" ضمير بني إسرائيل، والتقدير: من الذين يخافهم بنو إسرائيل، وأيد الزمخشري هذا التأويل بقراءة من قرأ: "يخافون" مبنيا للمفعول، وبقوله أيضا: "أنعم الله عليهما"، فإنه قال: وقراءة [ ص: 233 ] من قرأ: "يخافون" بالضم شاهدة له، ولذلك أنعم الله عليهما، كأنه قيل: من المخوفين. انتهى. والقراءة المذكورة مروية عن ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد، وأبدى الزمخشري أيضا في هذه القراءة احتمالا آخر، وهو أن تكون من الإخافة، ومعناه: من الذين يخوفون من الله بالتذكرة والموعظة، أو يخوفهم وعيد الله بالعقاب. وتحتمل القراءة أيضا وجها آخر: وهو أن يكون المعنى: "يخافون"؛ أي: يهابون ويوقرون، ويرجع إليهم لفضلهم وخيرهم، ومع هذين الاحتمالين الأخيرين فلا ترجيح في هذه القراءة؛ لكون الرجلين من الجبارين. وأما قوله: وكذلك "أنعم الله عليهما"؛ أي: في كونه مرجحا أيضا لكونهما من الجبارين، فغير ظاهر، لكون هذه الصفة مشتركة بين يوشع وكالب، وبين غيرهما ممن أنعم الله عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "أنعم الله عليهما" في هذه الجملة خمسة أوجه، أظهرها: أنها صفة ثانية فمحلها الرفع، وجيء هنا بأفصح الاستعمالين من كون قدم الوصف بالجار على الوصف بالجملة لقربه من المفرد. والثاني: أنها معترضة، وهو أيضا ظاهر. الثالث: أنها حال من الضمير في "يخافون"، قاله مكي. الرابع: أنها حال من "رجلان"، وجاءت الحال من النكرة لتخصصها بالوصف. الخامس: أنها حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور، وهو "من الذين" لوقوعه صفة لموصوف، وإذا جعلتها حالا فلا بد من إضمار "قد" مع الماضي على خلاف سلف في المسألة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية