الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 57 ) قوله تعالى: وكذبتم به في هذه الجملة وجهان، أحدهما: أنها مستأنفة سيقت للإخبار بذلك. والثاني: أنها في محل نصب على الحال، وحينئذ هل يحتاج إلى إضمار "قد" أم لا ؟ والهاء في "به" يجوز أن تعود على "ربي" وهو الظاهر. وقيل: على القرآن لأنه كالمذكور. وقيل: على "بينة" لأنها في معنى البيان. وقيل: لأن التاء فيها للمبالغة، والمعنى: على أمر بين من ربي، و "من ربي" في محل جر صفة لـ "بينة".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "يقص الحق" قرأ نافع، وابن كثير، وعاصم: "يقص" بصاد مهملة مشددة مرفوعة، وهي قراءة ابن عباس، والباقون بضاد معجمة مخففة مكسورة، وهاتان في المتواتر. وقرأ عبد الله، وأبي، ويحيى بن وثاب، والنخعي ، والأعمش، وطلحة: "يقضي بالحق" من القضاء. وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد: "يقضي بالحق وهو خير القاضين". فأما قراءة "يقضي" فمن القضاء، ويؤيده قوله: "وهو خير الفاصلين"، فإن الفصل يناسب القضاء، ولم يرسم إلا بضاد، كأن الباء حذفت خطا كما حذفت لفظا لالتقاء الساكنين، كما حذفت من نحو: "فما تغن النذر"، وكما حذفت الواو في "سندع [ ص: 658 ] الزبانية"، "ويمح الله الباطل"، لما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما نصب "الحق" بعده ففيه أربعة أوجه، أحدها: أنه منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف؛ أي: يقضي القضاء الحق. والثاني: أنه ضمن "يقضي" معنى ينفذ، فلذلك عداه إلى المفعول به. الثالث: أن "قضى" بمعنى صنع، فيتعدى بنفسه من غير تضمين، ويدل على ذلك قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1936 - وعليهما مسرودتان قضاهما داوود ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      أي: صنعهما. الرابع: أنه على إسقاط حرف الجر؛ أي: يقضي بالحق، فلما حذف انتصب مجروره على حد قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1937 - تمرون الديار فلم تعوجوا      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      ويؤيد ذلك: القراءة بهذا الأصل.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قراءة "يقص"، فمن "قص الحديث"، أو من "قص الأثر"؛ أي: تتبعه. وقال تعالى: نحن نقص عليك أحسن القصص . ورجح أبو عمرو بن العلاء القراءة الأولى بقوله: "الفاصلين"، وحكي عنه أنه قال: "أهو يقص الحق أو يقضي الحق"، فقالوا: "يقص"، فقال: "لو كان "يقص" لقال: "وهو خير القاصين"، أقرأ أحد بهذا ؟ وحيث قال: "وهو خير الفاصلين"، فالفصل إنما يكون في القضاء"، وكأن أبا عمرو لم يبلغه "وهو خير القاصين" [ ص: 659 ] قراءة. وقد أجاب أبو علي الفارسي عما ذكره ابن العلاء، فقال: "القصص هنا بمعنى القول، وقد جاء الفصل في القول أيضا، قال تعالى: "إنه لقول فصل"، وقال تعالى: "كتاب أحكمت آياته ثم فصلت"، وقال تعالى: "ونفصل الآيات"، فقد حمل الفصل على القول، واستعمل معه كما جاء مع القضاء، فلا يلزم "من الفاصلين" أن يكون معينا ليقضي.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية