الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 140 ) قوله تعالى: وقد نزل قرأ الجماعة: "نزل" مبنيا للمفعول، وعاصم قرأه مبنيا للفاعل، وأبو حيوة وحميد: "نزل" مخففا مبنيا للفاعل، والنخعي : "أنزل" بالهمزة مبنيا للمفعول. والقائم مقام الفاعل في قراءة الجماعة والنخعي ؛ هو "أن" وما في حيزها؛ أي: وقد نزل عليكم المنع من مجالستهم عند سماعكم الكفر بالآيات والاستهزاء بها. وأما في قراءة عاصم فـ "أن" مع ما بعدها في محل نصب مفعولا به بـ "نزل"، والفاعل ضمير الله تعالى كما تقدم. وأما في قراءة أبي حيوة وحميد فمحلها رفع بالفاعلية لـ "نزل" مخففا، فمحلها إما نصب على قراءة عاصم، أو رفع على قراءة غيره، ولكن الرفع مختلف. و "أن" هذه هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الأمر [ ص: 121 ] والشأن؛ أي: أن الأمر والشأن إذا سمعتم الكفر والاستهزاء، فلا تقعدوا. قال الشيخ: وما قدره أبو البقاء من قوله: أنكم إذا سمعتم، ليس بجيد؛ لأن "أن" المخففة لا تعمل إلا في ضمير الشأن، إلا في ضرورة، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1662 - فلو أنك في يوم الرخاء سألتني طلاقك لم أبخل وأنت صديق



                                                                                                                                                                                                                                      هكذا قال، ولم أره أنا في إعراب أبي البقاء، إلا أنه بالهاء دون الكاف والميم. والجملة الشرطية المنعقدة من "إذا" وجوابها في محل رفع خبرا لـ "أن"، ومن مجيء الجملة الشرطية خبرا لـ "أن" المخففة قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1663 - فعلمت أن ما تتقوه فإنه     جزر لخامعة وفرخ عقاب



                                                                                                                                                                                                                                      فـ "ما" شرطية و "فإنه" جوابها، والجملة خبر لـ "أن" المخففة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "يكفر بها" في محل نصب على الحال من الآيات، و "بها" في محل رفع لقيامه مقام الفاعل، وكذلك في قوله: "ويستهزأ بها"، والأصل: يكفر بها أحد، فلما حذف الفاعل قام الجار والمجرور مقامه، ولذلك روعي هذا الفاعل المحذوف، فعاد عليه الضمير من قوله: "معهم" "حتى يخوضوا"، كأنه قيل: إذا سمعتم آيات الله يكفر بها المشركون ويستهزئ بها المنافقون، فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره؛ أي: غير حديث الكفر والاستهزاء، فعاد الضمير في "غيره" على ما دل عليه المعنى. وقيل: الضمير [ ص: 122 ] في "غيره" يجوز أن يعود على الكفر والاستهزاء المفهومين من قوله: "يكفر بها ويستهزأ بها"، وإنما أفرد الضمير وإن كان المراد به شيئين لأحد أمرين؛ إما لأن الكفر والاستهزاء شيء واحد في المعنى، وإما لإجراء الضمير مجرى اسم الإشارة، نحو: "عوان بين ذلك"، و[ قوله ]:


                                                                                                                                                                                                                                      1664 - كأنه في الجلد توليع البهق



                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم تحقيقه في البقرة. و "حتى" غاية للنهي، والمعنى: أنه يجوز مجالستهم عند خوضهم في غير الكفر والاستهزاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "إنكم إذا مثلهم" "إذن" هنا ملغاة لوقوعها بين مبتدأ وخبر. والجمهور على رفع اللام في "مثلهم" على خبر الابتداء. وقرئ شاذا بفتحها، وفيها تخريجان، أحدهما: - وهو قول البصريين - أنه خبر أيضا، وإنما فتح لإضافته إلى غير متمكن، كقوله تعالى: إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ، بفتح اللام، وقول الفرزدق:


                                                                                                                                                                                                                                      1665 - ... ... ... ...     وإذما مثلهم بشر



                                                                                                                                                                                                                                      في أحد الأوجه. والثاني: - وهو قول الكوفيين - أن "مثل" يجوز [ ص: 123 ] نصبها على المحل؛ أي: الظرف، ويجيزون: "زيد مثلك" بالنصب على المحل؛ أي: زيد في مثل حالك. وأفرد "مثل" وإن أخبر به عن جمع، ولم يطابق به كما طابق ما قبله في قوله: ثم لا يكونوا أمثالكم ، وقوله: وحور عين كأمثال ؛ قال أبو البقاء وغيره: لأنه قصد به هنا المصدر، فوحد كما وحد في قوله: أنؤمن لبشرين مثلنا . وتحرير المعنى: أن التقدير: إن عصيانكم مثل عصيانهم، إلا أن تقدير المصدرية في قوله: "لبشر مثلنا" قلق.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية