الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 29 ) قوله تعالى: إني أريد أن تبوء : فيه ثلاثة تأويلات، أحدها: أنه على حذف همزة الاستفهام، وتقديره: أإني أريد، وهو استفهام إنكار؛ لأن إرادة المعصية قبيحة، ومن الأنبياء أقبح؛ فهم معصومون عن ذلك، ويؤيد هذا التأويل قراءة من قرأ: "أني أريد" بفتح النون، وهي أنى التي بمعنى: كيف؛ أي: كيف أريد ذلك. والثاني: أن "لا" محذوفة، تقديره: إني أريد أن لا تبوء، كقوله تعالى: يبين الله لكم أن تضلوا ، رواسي أن تميد بكم ؛ أي: أن لا تضلوا، وأن لا تميد، وهو مستفيض، وهذا أيضا فرار من إثبات الإرادة له. وضعف بعضهم هذا التأويل بقوله عليه السلام: " لا تقتل [ ص: 242 ] نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل "، فثبت بهذا أن الإثم حاصل، وهذا الذي ضعفه به غير لازم؛ لأن قائل هذه المقالة يقول: لا يلزم من عدم إرادته الإثم لأخيه عدم الإثم، بل قد يريد عدمه ويقع. والثالث: أن الإرادة على حالها، وهي إما إرادة مجازية أو حقيقة على حسب اختلاف أهل التفسير في ذلك، وجاءت إرادة ذلك به لمعان ذكروها، من جملتها أنه ظهرت له قرائن تدل على قرب أجله، وأن أخاه كافر، وإرادة العقوبة بالكافر حسنة. وقوله: "بإثمي" في محل نصب على الحال من فاعل "تبوء"؛ أي: ترجع حاملا له وملتبسا به، وتقدم نظيره في قوله: "فباءوا بغضب". وقالوا: لا بد من مضاف، فقدره الزمخشري: بمثل إثمي، قال: على الاتساع في الكلام، كما تقول: قرأت قراءة فلان، وكتبت كتابته. وقدره بعضهم: بإثم قتلي. وقوله: "وذلك جزاء" يحتمل أن يكون من كلامه، وأن يكون من كلام الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية