الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 41 ) قوله تعالى: لا يحزنك الذين قد تقدم أن "يحزن" يقرأ بفتح الياء وضمها، وأنهما لغتان، وهل هما بمعنى أو بينهما فرق ؟ والنهي للذين في الظاهر، وهو من باب قوله: "لا أرينك ههنا"؛ أي: لا تتعاط أسبابا يحصل لك بها حزن من جهتهم، وتقدم لك تحقيق ذلك مرارا، وقول أبي البقاء في "يحزنك": والجيد فتح الياء وضم الزاي، ويقرأ بضم الياء وكسر الزاي من "أحزنني"، وهي لغة؛ ليس بجيد؛ لأنها قراءة متواترة، وقد تقدم [ ص: 267 ] دليلها في آل عمران. و "يسارعون" من المسارعة، و "في الكفر" متعلق بالفعل قبله، وقد تقدم نظيرها في آل عمران. قوله: "من الذين قالوا" يجوز أن يكون حالا من الفاعل في "يسارعون"؛ أي: يسارعون حال كونهم بعض الذين قالوا، ويجوز أن يكون حالا من نفس الموصول، وهو قريب من معنى الأول، ويجوز أن تكون "من" بيانا لجنس الموصول الأول، وكذلك "من" الثانية، فتكون تبيينا وتقسيما للذين يسارعون في الكفر، ويكون "سماعون" على هذا خبر مبتدأ محذوف. و "آمنا" منصوب بـ "قالوا"، وبـ "أفواههم" متعلق بـ "قالوا" لا بـ "آمنا"، بمعنى أنه لم يجاوز قولهم أفواههم، إنما نطقوا به غير معتقدين له بقلوبهم، وقوله: "ولم تؤمن قلوبهم" جملة حالية.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ومن الذين هادوا" فيه وجهان، أحدهما: ما تقدم، وهو أن يكون معطوفا على "من الذين قالوا" بيانا وتقسيما. والثاني: أن يكون خبرا مقدما، و "سماعون" مبتدأ، والتقدير: ومن الذين هادوا قوم سماعون، فتكون جملة مستأنفة، إلا أن الوجه الأول مرجح بقراءة الضحاك: "سماعين" على الذم بفعل محذوف، فهذا يدل على أن الكلام ليس جملة مستقلة، بل قوله: "ومن الذين هادوا" عطف على "من الذين قالوا". وقوله: "سماعون" مثال مبالغة، و "للكذب" فيه وجهان، أحدهما: أن اللام زائدة، و "الكذب" هو المفعول؛ أي: سماعون الكذب، وزيادة اللام هنا مطردة لكون العامل فرعا فقوي باللام، ومثله: "فعال لما يريد". والثاني: أنها على بابها من التعليل، ، ويكون مفعول "سماعون" محذوفا؛ أي: سماعون أخباركم وأحاديثكم، ليكذبوا فيها بالزيادة والنقص والتبديل، بأن يرجفوا بقتل المؤمنين في السرايا كما [ ص: 268 ] نقل من مخازيهم. وقوله: "سماعون لقوم" يجوز أن تكون هذه تكريرا للأولى، فعلى هذا يجوز أن يتعلق قوله: "لقوم" بنفس الكذب؛ أي: يسمعون ليكذبوا لأجل قوم، ويجوز أن تتعلق اللام بنفس "سماعون"؛ أي: سماعون لأجل قوم لم يأتوك؛ لأنهم لبغضهم لا يقربون مجلسك، وهم اليهود، و "لم يأتوك" في محل جر؛ لأنه صفة لـ "قوم".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "يحرفون" يجوز أن يكون صفة لـ "سماعون"؛ أي: سماعون محرفون، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في "سماعون"، ويجوز أن يكون مستأنفا لا محل له، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم محرفون، ويجوز أن يكون في محل جر صفة لـ "قوم"؛ أي: لقوم محرفين. و "من بعد مواضعه" قد أتقنته في النساء. و "يقولون" كـ "يحرفون"، ويجوز أن يكون حالا من ضمير "يحرفون". والجملة الشرطية من قوله: "إن أوتيتم" مفعولة بالقول، و "هذا" مفعول ثان لأوتيتم، والأول قائم مقام الفاعل، والفاء جواب الشرط، وهي واجبة لعدم صلاحية الجزاء لأن يكون شرطا، وكذلك الجملة من قوله: "وإن لم تؤتوه". وقوله: "ومن يرد": "من" مفعول مقدم وهي شرطية. وقوله: "فلن تملك" جوابه، والفاء أيضا واجبة لما تقدم، و "شيئا" مفعول به أو مصدر. و "من الله" متعلق بـ "تملك"، وقيل: هو حال من "شيئا"؛ لأنه صفته في الأصل. قوله: "أولئك" مبتدأ، و "لم يرد الله" جملة فعلية خبره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية