الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 57 ) قوله تعالى: والذين آمنوا فيه ثلاثة أوجه، أظهرها: أنه مبتدأ، وخبره "سندخلهم". والثاني: أنه في محل نصب عطفا على اسم "إن" وهو "الذين كفروا"، والخبر أيضا "سندخلهم جنات"، ويصير هذا نظير [ ص: 8 ] قولك: "إن زيدا قائم وعمرا قاعد"، فعطفت المنصوب على المنصوب والمرفوع على المرفوع. والثالث: أن يكون في محل رفع عطفا على موضع اسم "إن"؛ لأن محله الرفع، ذكر ذلك أبو البقاء، وفيه نظر من حيث الشناعة اللفظية، حيث يقال: "والذين آمنوا" في موضع نصب عطفا على "الذين كفروا"، وأتى بجملة الوعيد مؤكدة بـ "إن" تنبيها على شدة ذلك، وبجملة الوعد خالية منه لتحققها، وأنه لا إنكار لذلك، وأتى فيها بحرف التنفيس القريب المدة تنبيها على قرب الوعد.

                                                                                                                                                                                                                                      و تجري من تحتها الأنهار في محل نصب صفة لـ "جنات"، وقرأ النخعي : "سيدخلهم"، وكذلك "ويدخلهم ظلا" بياء الغيبة، ردا على قوله: إن الله كان عزيزا . والجمهور بالنون ردا على قوله: سوف نصليهم . و "خالدين" يجوز فيه ثلاثة أوجه، أحدهما: أنه حال من الضمير المنصوب في "سندخلهم"، والثاني: أجازه أبو البقاء أن يكون حالا من "جنات"، قال: لأن فيها ضميرا لكل واحد منهما، يعني: أنه يجوز أن يكون حالا من مفعول "سندخلهم" كما تقدم، أو من "جنات"؛ لأن في الحال ضميرين، أحدهما: المستتر في "خالدين" العائد على الذين آمنوا، والآخر: المجرور بـ "في" العائد على "جنات"، فصح أن يجعل حالا من كل واحد لوجود الرابط وهو الضمير. وهذا الذي قاله فيه نظر لا يخفى من وجهين، أحدهما: أنه يصير المعنى: أن الجنات خالدات في أنفسها؛ لأن الضمير في "فيها" عائد عليها، فكأنه قيل: جنات خالدات في الجنات أنفسها. والثاني: أن هذا الجمع شرطه العقل، ولو أريد ذلك لقيل: خالدات. والثالث: أن يكون صفة [ ص: 9 ] لـ "جنات" أيضا. قال أبو البقاء: على رأي الكوفيين، يعني: أنه جرت الصفة على غير من هي له في المعنى، ولم يبرز الضمير، وهذا مذهب الكوفيين، وهو أنه إذا جرت على غير من هي له وأمن اللبس لم يجب بروز الضمير كهذه الآية. ومذهب البصريين وجوب بروزه مطلقا، فكان ينبغي أن يقال على مذهبهم: "خالدين هم فيها"، ولما لم يقل كذلك دل على فساد هذا القول، وقد تقدم لك تحقيق ذلك. فإن قلت: فلتكن المسألة الأولى كذلك، أعني: أنك إذا جعلت "خالدين" حالا من "جنات"، فيكون حالا منها لفظا وهي لغيرها معنى، ولم يبرز الضمير على رأي الكوفيين، ويصح قول أبي البقاء، فالجواب أن هذا لو قيل به لكان جيدا، ولكن لا يدفع الرد عن أبي البقاء، فإنه خصص مذهب الكوفيين بوجه الصفة دون الحال. وقوله: لهم فيها أزواج مبتدأ وخبر، ومحل هذه الجملة: إما النصب أو الرفع، فالنصب: إما على الحال من "جنات"، أو من الضمير في "سندخلهم"، وإما على كونها صفة لـ "جنات" بعد صفة. والرفع على أنه خبر بعد خبر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية