الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 141 ) قوله تعالى: الذين يتربصون فيه ستة أوجه، أحدها: أنه بدل من قوله: "الذين يتخذون" فيجيء فيه الأوجه المذكورة هناك. الثاني: أنه نعت للمنافقين على اللفظ فيكون مجرور المحل. الثالث: أنه تابع لهم على الموضع فيكون منصوب المحل، وقد تقرر أن اسم الفاعل العامل إذا أضيف إلى معموله، جاز أن يتبع معموله لفظا وموضعا، تقول: هذا ضارب هند العاقلة والعاقلة، بجر العاقلة ونصبها. الرابع: أنه منصوب على الشتم. الخامس: أنه خبر مبتدأ مضمر؛ أي: هم الذين. السادس: - وذكره أبو البقاء - أنه مبتدأ، والخبر قوله: "فإن كان لكم فتح"، وهذا ضعيف؛ لنبو المعنى عنه ولزيادة الفاء في غير محلها؛ لأن هذا الموصول غير ظاهر الشبه باسم الشرط.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ونمنعكم" الجمهور على جزمه عطفا على ما قبله. وقرأ ابن [ ص: 124 ] أبي عبلة بنصب العين وهي ظاهرة، فإنه على إضمار "أن" بعد الواو المقتضية للجمع في جواب الاستفهام، كقول الحطيئة:


                                                                                                                                                                                                                                      1666 - ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودة والإخاء



                                                                                                                                                                                                                                      وعبر ابن عطية بعبارة الكوفيين، فقال: بفتح العين على الصرف، ويعنون بالصرف: عدم تشريك الفعل مع ما قبله في الإعراب. وقرأ أبي: "ومنعناكم" فعلا ماضيا، وهي ظاهرة أيضا؛ لأنه حمل على المعنى، فإن معنى "ألم نستحوذ": إنا قد استحوذنا؛ لأن الاستفهام إذا دخل على نفي قرره، ومثله: ألم نشرح لك صدرك ووضعنا ، لما كان "ألم نشرح" في معنى "قد شرحنا"، عطف عليه "ووضعنا".

                                                                                                                                                                                                                                      ونستحوذ واستحوذ مما شذ قياسا وفصح استعمالا؛ لأنه من حقه نقل حركة حرف علته إلى الساكن قبلها، وقلبها ألفا كاستقام واستبان وبابه، وقد قدمت تحقيق هذا في قوله: "نستعين" في الفاتحة، وقد شذت معه ألفاظ أخر، نحو: أغميت، وأغيلت المرأة، وأخيلت السماء، قصرها النحويون على السماع، وقاسها أبو زيد. والاستحواذ: التغلب على الشيء والاستيلاء عليه. ومنه: استحوذ عليهم الشيطان . ويقال: "حاذ وأحاذ" بمعنى، والمصدر الحوذ. [ ص: 125 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "يحكم بينكم" قيل: هنا معطوف محذوف؛ أي: وبينهم، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1667 - فما كان بين الخير لو جاء سالما     أبو حجر إلا ليال قلائل



                                                                                                                                                                                                                                      أي: وبيني، والظاهر أنه لا يحتاج لذلك؛ لأن الخطاب في "بينكم" شامل للجميع، والمراد المخاطبون والغائبون، وإنما غلب الخطاب لما عرفت من لغة العرب. قوله: "على المؤمنين" يجوز أن يتعلق بالجعل، ويجوز أن يتعلق بمحذوف؛ لأنه في الأصل صفة لـ "سبيلا"، فلما قدم عليه انتصب حالا عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية