الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 65 ) قوله: عذابا من فوقكم يجوز أن يكون الظرف متعلقا بـ "نبعث"، وأن يكون متعلقا بمحذوف على أنه صفة لـ "عذابا"؛ أي: عذابا كائنا من هاتين الجهتين.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "أو يلبسكم" عطف على "يبعث". والجمهور على فتح الياء من "يلبسكم"، وفيه وجهان، أحدهما: أنه بمعنى يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتى، كل فرقة مشايعة لإمام، ومعنى خلطهم: إنشاب القتال بينهم، فيختلطوا في ملاحم القتال، كقول الحماسي: [ ص: 671 ]


                                                                                                                                                                                                                                      1941 - وكتيبة لبستها بكتيبة حتى إذا التبست نفضت لها يدي




                                                                                                                                                                                                                                      فتركتهم تقص الرماح ظهورهم     ما بين منعفر وآخر مسند



                                                                                                                                                                                                                                      وهذه عبارة الزمخشري، فجعله من اللبس الذي هو الخلط، وبهذا التفسير الحسن ظهر تعدي "يلبس" إلى المفعول. و "شيعا" نصب على الحال، وهي جمع شيعة، كسدرة وسدر. وقيل: "شيعا" منصوب على المصدر من معنى الفعل الأول؛ أي: إنه مصدر على غير الصدر كقعدت جلوسا. قال الشيخ: "ويحتاج في جعله مصدرا إلى نقل من اللغة". ويجوز على هذا أيضا أن يكون حالا كأتيته ركضا؛ أي: راكضا أو ذا ركض. وقال أبو البقاء : "والجمهور على فتح الياء؛ أي: يلبس عليكم أموركم، فحذف حرف الجر والمفعول، والأجود أن يكون التقدير: أو يلبس أموركم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه"، وهذا كله حاجة إليه لما عرفت من كلام الزمخشري.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو عبد الله المدني: "يلبسكم" بضم الياء من "ألبس" رباعيا، وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون المفعول الثاني محذوفا، تقديره: أو يلبسكم الفتنة. و "شيعا" على هذا حال؛ أي: يلبسكم الفتنة في حال تفرقكم وشتاتكم. والثاني: أن يكون "شيعا" هو المفعول الثاني، كأنه جعل الناس يلبسون بعضهم مجازا، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1942 - لبست أناسا فأفنيتهم     وأفنيت بعد أناس أناسا [ ص: 672 ]



                                                                                                                                                                                                                                      والشيعة: من يتقوى بهم الإنسان، والجمع: "شيع" كما تقدم، وأشياع، كذا قاله الراغب، والظاهر أن أشياعا جمع شيع، كعنب وأعناب، وضلع وأضلاع، وشيع جمع شيعة، فهو جمع الجمع.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ويذيق" نسق على "يبعث"، والإذاقة: استعارة، وهي فاشية: "ذوقوا مس سقر"، "ذق إنك"، "فذوقوا العذاب"، وقال:


                                                                                                                                                                                                                                      1943 - أذقناهم كؤوس الموت صرفا     وذاقوا من أسنتنا كؤوسا



                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الأعمش: "ونذيق" بنون العظمة، وهو التفات فائدته تعظيم الأمر والتحذير من سطوته.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية