الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 172 ) قوله تعالى: لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا قرأ علي: "عبيدا" على التصغير، وهو مناسب للمقام. وقوله: "ولا الملائكة" [ ص: 168 ] عطف على "المسيح"؛ أي: ولن يستنكف الملائكة أن يكونوا عبيدا لله. وقال الشيخ ما نصه: وفي الكلام حذف، التقدير: ولا الملائكة المقربون أن يكونوا عبيدا لله، فإن ضمن "عبدا" معنى "ملكا لله" لم يحتج إلى هذا التقدير، ويكون إذ ذاك "ولا الملائكة" من باب عطف المفردات، بخلاف ما إذا لحظ في "عبد" معنى الوحدة، فإن قوله: "ولا الملائكة" يكون من عطف الجمل لاختلاف الخبر، وإن لحظ في قوله: "ولا الملائكة" معنى: ولا كل واحد من الملائكة، كان من باب عطف المفردات. وقال الزمخشري: فإن قلت: علام عطف و "الملائكة" ؟ قلت: إما أن يعطف على "المسيح"، أو اسم "يكون"، أو على المستتر في "عبدا"، لما فيه من معنى الوصف لدلالته على العبادة، وقولك: مررت برجل عبد أبوه؛ فالعطف على "المسيح" هو الظاهر؛ لأداء غيره إلى ما فيه بعض انحراف عن الغرض، وهو أن المسيح لا يأنف أن يكون هو ولا من فوقه موصوفين بالعبودية، أو أن يعبد الله هو ومن فوقه. قال الشيخ: والانحراف عن الغرض الذي أشار إليه كون الاستنكاف يكون مختصا بالمسيح، والمعنى التام إشراك الملائكة مع المسيح في انتفاء الاستنكاف عن العبودية، ويظهر أيضا مرجوحية الوجهين من جهة دخول "لا"؛ إذ لو أريد العطف على الضمير في "يكون" أو في "عبدا" لم تدخل "لا"، بل كان يكون التركيب بدونها، تقول: ما يريد زيد أن يكون هو وأبوه قائمين، وما يريد زيد أن يصطلح هو وعمرو؛ فهذان التركيبان ليسا من مظنة دخول [ لا ]، وإن وجد منه شيء أول. انتهى. فتحصل في رفع "الملائكة" ثلاثة أوجه، أوجهها الأول. [ ص: 169 ]

                                                                                                                                                                                                                                      والاستنكاف: استفعال من النكف، والنكف: أن يقال له: سوء، ومنه: ما عليه في هذا الأمر نكف ولا وكف. قال أبو العباس: واستفعل هنا بمعنى: دفع النكف عنه. وقال غيره: هو الأنفة والترفع، ومنه: نكفت الدمع بإصبعي: إذا منعته من الجري على خدك، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      1681 - فبانوا فلولا ما تذكر منهم من الحلف لم ينكف لعينيك مدمع



                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "فسيحشرهم" الفاء يجوز أن تكون جوابا للشرط في قوله: "ومن يستنكف". فإن قيل: جواب "إن" الشرطية وأخواتها غير "إذا"، لا بد أن يكون محتملا للوقوع وعدمه، وحشرهم إليه جميعا لا بد منه، فكيف وقع جوابا لها ؟ فقيل في جوابه وجهان، أحدهما: - وهو الأصح - أن هذا كلام تضمن الوعد والوعيد؛ لأن حشرهم يقتضي جزاءهم بالثواب أو العقاب، ويدل عليه التفصيل الذي بعده في قوله: "فأما الذين" إلى آخره، فيكون التقدير: ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر، فيعذبه عند حشره إليه، ومن لم يستنكف ولم يستكبر فيثيبه. والثاني: أن الجواب محذوف؛ أي: فيجازيه، ثم أخبر بقوله: فسيحشرهم إليه جميعا ، وليس بالبين. وهذا الموضوع محتمل أن يكون مما حمل على لفظة "من" تارة في قوله: "يستنكف، ويستكبر"؛ فلذلك أفرد الضمير، وعلى معناها أخرى في قوله: "فسيحشرهم" ولذلك جمعه، ويحتمل أنه أعاد الضمير في "فسيحشرهم" على "من" وغيرها، فيندرج المستنكف في ذلك، ويكون الرابط لهذه الجملة باسم الشرط العموم المشار إليه. وقيل: بل حذف معطوفا لفهم المعنى، والتقدير: فسيحشرهم؛ أي: المستنكفين وغيرهم، كقوله: سرابيل تقيكم الحر ؛ أي: والبرد. [ ص: 170 ] و "جميعا" حال أو تأكيد عند من جعلها كـ "كل"، وهو الصحيح. وقرأ الحسن: "فسنحشرهم" بنون العظمة، وتخفيف باء "فيعذبهم". وقرئ: "فسيحشرهم" بكسر الشين، وهي لغة في مضارع "حشر".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية