الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 26 ) قوله تعالى: وهم ينهون عنه في الضميرين - أعني: هم وهاء "عنه" - أوجه، أحدها: أن المرفوع يعود على الكفار، والمجرور يعود على القرآن، وهو أيضا الذي عاد عليه الضمير المنصوب من "يفقهوه"، والمشار إليه بقولهم: "إن هذا". والثاني: أن "هم" يعود على من تقدم ذكرهم من الكفار، وفي "عنه" يعود على الرسول، وعلى هذا ففيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، فإن قوله: "جاءوك يجادلونك" خطاب للرسول، فخرج [ ص: 581 ] من هذا الخطاب إلى الغيبة. وقيل: يعود على المرفوع على أبي طالب وأتباعه.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله: "ينهون" و "وينأون" تجنيس التصريف، وهو عبارة عن انفراد كل كلمة عن الأخرى بحرف، فينهون انفردت بالهاء، وينأون بالهمزة، ومثله قوله تعالى: وهم يحسبون أنهم يحسنون ، بما كنتم تفرحون .. وبما كنتم تمرحون ، وقوله عليه السلام: " الخيل معقود في نواصيها الخير "، وبعضهم يسميه: "تجنيس التحريف"، وهو الفرق بين كلمتين بحرف، وأنشدوا:


                                                                                                                                                                                                                                      1884 - إن لم أشن على ابن حرب غارة لم تخل يوما من نهاب نفوس



                                                                                                                                                                                                                                      وذكر غيره أن تجنيس التحريف هو أن يكون الشكل فرقا بين كلمتين، وجعل منه: "اللهى تفتح اللهى"، وقد تقدم تحقيق ذلك. وقرأ الحسن البصري: "وينون" بإلقاء حركة الهمزة على النون وحذفها، وهو تخفيف قياسي. والنأي: البعد، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      1885 - إذا غير النأي المحبين لم يزل     رسيس الهوى من حب مية يبرح



                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر:


                                                                                                                                                                                                                                      1886 - ألا حبذا هند وأرض بها هند     وهند أتى من دونها النأي والبعد [ ص: 582 ]



                                                                                                                                                                                                                                      عطف الشيء على نفسه للمغايرة اللفظية، يقال: نأى زيد ينأى نأيا، ويتعدى بالهمزة فيقال: أنأيته، ولا يعدى بالتضعيف، وكذا كل ما كان عينه همزة. ونقل الواحدي أنه يقال: نأيته بمعنى: نأيت عنه، أنشد المبرد:


                                                                                                                                                                                                                                      1887 - أعاذل إن يصبح صداي بقفرة     بعيدا نآني صاحبي وقريبي



                                                                                                                                                                                                                                      أي: نأى عني. وحكى الليث: "نأيت الشيء"؛ أي: أبعدته، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      1888 - إذا ما التقينا سال من عبراتنا     شابيب ينآى سيلها بالأصابع



                                                                                                                                                                                                                                      فبناه للمفعول؛ أي: ينحى ويبعد. والحاصل أن هذه المادة تدل على البعد، ومنه: أتنأى؛ أي: أفتعل النأي. والمنأى: الموضع البعيد، قال النابغة:


                                                                                                                                                                                                                                      1889 - فإنك كالموت الذي هو مدركي     وإن خلت أن المنتأى عنك واسع



                                                                                                                                                                                                                                      وتناءى: تباعد، ومنه النؤي للحفيرة التي حول الخباء لتبعد عنه الماء. وقرئ: "وناء بجانبه" وهو مقلوب من نأى، ويدل على ذلك أن الأصل هو المصدر، وهو النأي بتقديم الهمزة على حرف العلة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وإن يهلكون": "إن" نافية كالتي في قوله: "إن هذا"، و "أنفسهم" مفعول، وهو استثناء مفرغ، ومفعول "يشعرون" محذوف: إما اقتصارا وإما اختصارا؛ أي: وما يشعرون أنهم يهلكون أنفسهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية