الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 80 ) وقوله تعالى: لبئس ما و "بئسما قدمت" قد تقدم إعراب نظير ذلك، فلا حاجة إلى إعادته، وهنا زيادة أخرى لخصوص التركيب وستعرفها. قوله: "أن سخط الله عليهم" في محله أوجه، أحدها: أنه مرفوع على البدل من المخصوص بالذم، والمخصوص قد حذف وأقيمت صفته مقامه، فإنك تعرب "ما" اسما تاما معرفة في محل رفع بالفاعلية بفعل الذم، والمخصوص بالذم محذوف، و "قدمت لهم أنفسهم" جملة في محل رفع صفة له، والتقدير لبئس الشيء شيء قدمته لهم أنفسهم، فـ "أن سخط الله عليهم" بدل من "شيء" المحذوف، وهذا هو مذهب سيبويه كما تقدم تقريره. الثاني: أنه المخصوص بالذم، فيكون فيه ثلاثة الأوجه المشهورة، أحدها: أنه مبتدأ والجملة قبله خبره، والرابط على هذا العموم عند من يجعل ذلك، أو لا يحتاج إلى رابط؛ لأن الجملة عين المبتدإ. الثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف؛ لأنك لما قلت: بئس الرجل، قيل لك: من هو ؟ فقلت: فلان؛ أي: هو فلان. الثالث: أنه مبتدأ خبره محذوف، وقد تقدم تحرير ذلك، وإلى كونه مخصوصا بالذم ذهب جماعة كالزمخشري، ولم يذكر غيره، قال: "أن سخط الله عليهم" هو المخصوص بالذم، كأنه قيل: لبئس زادهم إلى الآخرة سخط الله عليهم، والمعنى: موجب سخط الله. قلت: وفي تقدير هذا [ ص: 385 ] المضاف من المحاسن ما لا يخفى على متأمله، فإن نفس السخط المضاف إلى الباري تعالى لا يقال هو المخصوص بالذم، إنما المخصوص بالذم أسبابه، وذهب إليه أيضا الواحدي، ومكي ، وأبو البقاء ، إلا أن الشيخ بعد أن حكى هذا الوجه عن أبي القاسم والزمخشري قال: ولم يصح هذا الإعراب إلا على مذهب الفراء والفارسي في جعل "ما" موصولة، أو على مذهب من يجعل "ما" تمييزا، و "قدمت لهم" صفتها، وأما على مذهب سيبويه فلا يتأتى ذلك، ثم ذكر مذهب سيبويه .

                                                                                                                                                                                                                                      والوجه الثالث من أوجه "أن سخط": أنه في محل رفع على البدل من "ما"، وإلى ذلك ذهب مكي وابن عطية ، إلا أن مكيا حكاه عن غيره، قال: وقيل: في موضع رفع على البدل من "ما" في "لبئس" على أنها معرفة. قال الشيخ - بعد ما حكى هذا الوجه عن ابن عطية -: ولا يصح هذا، سواء كانت "ما" تامة أو موصولة؛ لأن البدل يحل محل المبدل منه، و "أن سخط" لا يجوز أن يكون فاعلا لـ "بئس"؛ لأن فاعل "بئس" لا يكون "أن" والفعل. وهو إيراد واضح كما قاله.

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الرابع: أنه في محل نصب على البدل من "ما"، إذا قيل بأنها تمييز، ذكر ذلك مكي وأبو البقاء ، وهذا لا يجوز البتة؛ وذلك لأن شرط [ ص: 386 ] التمييز عند البصريين أن يكون نكرة، و "أن" وما في حيزها عندهم من قبيل أعرف المعارف؛ لأنها تشبه المضمر، وقد تقدم تقرير ذلك، فكيف يقع تمييزا؛ لأن البدل يحل محل المبدل منه ؟ وعند الكوفيين أيضا لا يجوز ذلك؛ لأنهم لا يجيزون التمييز بكل معرفة، خصوصا "أن" والفعل. الخامس: أنه في محل نصب على البدل من الضمير المنصوب بـ "قدمت" العائد على "ما" الموصولة، أو الموصوفة على حسب ما تقدم، والتقدير: قدمته سخط الله، كقولك: الذي رأيت زيدا أخوك، وفي هذا بحث في موضعه. السادس: أنه في موضع نصب على إسقاط الخافض؛ إذ التقدير: لأن سخط، وهذا جار على مذهبه سيبويه والفراء ؛ لأنهما يزعمان أن محل "أن" بعد حذف الخافض في محل نصب. السابع: أنه في محل جر بذلك الخافض المقدر، هذا جار على مذهب الخليل والكسائي؛ لأنهما يزعمان أنها في محل جر، وقد تقدم تحقيق ذلك غير مرة، وعلى هذا فالمخصوص بالذم محذوف؛ أي: لبئسما قدمت لهم أنفسهم عملهم أو صنعهم، ولام العلة المقدرة معلقة، إما بجملة الذم؛ أي: سبب ذمهم سخط الله عليهم، أو بمحذوف بعده؛ أي: لأن سخط الله عليهم كان كيت وكيت.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية