الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 30 ) قوله تعالى: فطوعت الجمهور على "طوعت" مشدد الواو من غير ألف، بمعنى: سهلت وبعثت. قال الزمخشري: وسعته ويسرته من طاع له المرتع: إذا اتسع. انتهى. والتضعيف فيه للتعدية؛ لأن الأصل: طاع له قتل أخيه؛ أي: انقاد، من الطواعية، فعدي بالتضعيف، فصار الفاعل مفعولا كحاله مع الهمزة. وقرأ الحسن، وزيد بن علي، وجماعة كثيرة: "فطاوعت"، وأبدى الزمخشري فيها احتمالين، أحدهما: أن يكون [ ص: 243 ] مما جاء فيه فاعل لغير مشاركه بين شيئين، بل بمعنى فعل، نحو: ضاعفته وضعفته، وناعمته ونعمته، وهذان المثالان من أمثلة سيبويه، قال: فجاؤوا به على مثال عاقبته، قال: وقد تجيء فاعلت لا تريد بها عمل اثنين، ولكنهم بنوا عليه الفعل كما بنوه على أفعلت. وذكر أمثلة، منها: "عافاه الله"، وقل من ذكر أن فاعل يجيء بمعنى فعلت. والاحتمال الثاني: أن تكون على بابها من المشاركة، وهو أن قتل أخيه كأنه دعا نفسه إلى الإقدام عليه فطاوعته. انتهى. وإيضاح العبارة في ذلك أن يقال: جعل القتل يدعو إلى نفسه؛ لأجل الحسد الذي لحق قابيل، وجعلت النفس تأبى ذلك وتشمئز منه، فكل منهما - أعني: القتل والنفس - كأنه يريد من صاحبه أن يطيعه إلى أن غلب القتل النفس فطاوعته.

                                                                                                                                                                                                                                      و "له" متعلق بـ "طوعت" على القراءتين. قال الزمخشري: و "له" لزيادة الربط، كقولك: حفظت لزيد ماله، يعني: أن الكلام تام بنفسه، لو قيل: فطوعت نفسه قتل أخيه، كما كان كذلك في قولك: حفظت مال زيد، فأتى بهذه اللام لقوة ربط الكلام. وقال أبو البقاء: وقال قوم: "طاوعت" تتعدى بغير لام، وهذا خطأ؛ لأن التي تتعدى بغير اللام تتعدى لمفعول واحد، وقد عداه هنا إلى قتل أخيه، وقيل: التقدير: طاوعته نفسه على قتل أخيه، فزاد اللام وحذف "على"؛ أي: زاد اللام في المفعول به وهو الهاء، وحذف "على" الجارة لـ "قتل أخيه".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية