الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 38 ) قوله تعالى: والسارق والسارقة قراءة الجمهور بالرفع، وعيسى بن عمر وابن أبي عبلة بالنصب، ونقل عن أبي: "والسرق والسرقة" بضم السين وفتح الراء مشددتين. قال الخفاف: وجدته في مصحف أبي كذلك، وممن ضبطهما بما ذكرت أبو عمرو، إلا أن ابن عطية جعل هذه القراءة تصحيفا، فإنه قال: ويشبه أن يكون هذا تصحيفا من الضابط؛ لأن قراءة الجماعة إذا كتبت: "والسارق" بغير ألف، وافقت في الخط هذه. قلت: ويظهر توجيه هذه القراءة بوجه ظاهر، وهو أن السرق جمع سارق، فإن فعلا يطرد جمعا لفاعل صفة، نحو: ضارب وضرب، والدليل على أن المراد الجمع قراءة عبد الله: "والسارقون والسارقات" بصيغتي جمع السلامة، فدل على أن المراد الجمع، إلا أنه يشكل علينا في هذا شيء، وهو أن فعلا يكون جمع فاعل وفاعله أيضا، تقول: نساء ضرب، كما تقول: رجال ضرب، ولا يدخلون عليه تاء التأنيث حين يراد به الإناث، والسرقة هنا - كما رأيت - في هذه القراءة بتاء التأنيث حين أريد بـ "فعل" جمع فاعله، فهو مشكل من هذه الجهة، لا يقال: إن هذه التاء يجوز أن تكون لتأكيد الجمع؛ لأن ذلك محفوظ لا يقاس عليه، نحو: حجارة. [ ص: 258 ]

                                                                                                                                                                                                                                      فأما قراءة الجمهور ففيها وجهان، أحدهما: - وهو مذهب سيبويه والمشهور من أقوال البصريين - أن "السارق" مبتدأ محذوف الخبر، تقديره: فيما يتلى عليكم - أو فيما فرض -. "السارق والسارقة"؛ أي: حكم السارق، ويكون قوله: "فاقطعوا" بيانا لذلك الحكم المقدر، فما بعد الفاء مرتبط بما قبلها، ولذلك أتي بها فيه؛ لأنه هو المقصود، ولو لم يأت بالفاء لتوهم أنه أجنبي، والكلام على هذا جملتان: الأولى خبرية، والثانية أمرية. والثاني: - وهو مذهب الأخفش، ونقل عن المبرد وجماعة كثيرة - أنه مبتدأ أيضا، والخبر الجملة الأمرية من قوله: "فاقطعوا"، وإنما دخلت الفاء في الخبر؛ لأنه يشبه الشرط، إذ الألف واللام فيه موصولة بمعنى الذي والتي، والصفة صلتها، فهي في قوة قولك: والذي سرق والتي سرقت فاقطعوا. وأجاز الزمخشري الوجهين، ونسب الأول لسيبويه، ولم ينسب الثاني، بل قال: ووجه آخر: وهو أن يرتفعا بالابتداء، والخبر "فاقطعوا".

                                                                                                                                                                                                                                      وإنما اختار سيبويه أن خبره محذوف، كما تقدم تقديره دون الجملة الطلبية بعده لوجهين، أحدهما: أن النصب في مثله هو الوجه في كلام العرب، نحو: زيدا فاضربه؛ لأجل الأمر بعده، قال سيبويه في هذه الآية: الوجه في كلام العرب النصب، كما تقول: زيدا فاضربه، ولكن أبت العامة إلا الرفع. والثاني: دخول الفاء في خبره، وعنده أن الفاء لا تدخل إلا في خبر الموصول الصريح كالذي، و "من" بشروط أخر ذكرتها في كتبي النحوية؛ وذلك لأن الفاء إنما دخلت لشبه المبتدإ بالشرط، واشترطوا في صلته أن تصلح لأداة الشرط من كونها جملة فعلية مستقبلة المعنى، أو ما يقوم مقامها من ظرف [ ص: 259 ] وشبهه، ولذلك إنها إذا لم تصلح لأداة الشرط، لم يجز دخول الفاء في الخبر، وصلة "أل" لا تصلح لمباشرة أداة الشرط؛ فلذلك لا تدخل الفاء في خبرها، وأيضا فـ "أل" وصلتها في حكم اسم واحد، ولذلك تخطاها الإعراب.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قراءة عيسى بن عمر وإبراهيم فالنصب بفعل مضمر يفسره العامل في سببيهما، نحو: زيدا فأكرم أخاه، والتقدير: فعاقبوا السارق والسارقة، تقدره فعلا من معناها، نحو: زيدا ضربت غلامه؛ أي: أهنت زيدا، ويجوز أن يقدر العامل موافقا لفظا؛ لأنه يساغ أن يقال: قطعت السارق، وهذه قراءة واضحة لمكان الأمر بعد الاسم المشتغل عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري: وفضلها سيبويه على قراءة العامة لأجل الأمر؛ لأن "زيدا فاضربه" أحسن من "زيد فاضربه"، وفي نقله تفضيل النصب على قراءة العامة نظر، ويظهر ذلك بنص سيبويه، قال سيبويه: الوجه في كلام العرب النصب، كما تقول: زيدا اضربه، ولكن أبت العامة إلا الرفع. وليس في هذا ما يقتضي تفضيل النصب، بل معنى كلامه أن هذه الآية ليست من الاشتغال في شيء، إذ لو كانت من باب الاشتغال لكان الوجه النصب، ولكن لم يقرأها الجمهور إلا بالرفع، فدل على أن الآية محمولة على كلامين كما تقدم، لا على كلام واحد، وهذا ظاهر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد رد الفخر الرازي على سيبويه بخمسة أوجه، وذلك أنه فهم كما فهم صاحب " الكشاف " من تفضيل النصب، قال الفخر الرازي: الذي ذهب إليه سيبويه ليس بشيء، ويدل على فساده وجوه، الأول: أنه طعن في القراءة المتواترة المنقولة عن الرسول وعن أعلام الأمة، وذلك باطل قطعا، فإن قال [ ص: 260 ] سيبويه: لا أقول: إن القراءة بالرفع غير جائزة، ولكني أقول: القراءة بالنصب أولى، فنقول: رديء أيضا؛ لأن ترجيح قراءة لم يقرأ بها إلا عيسى بن عمر على قراءة الرسول، وجميع الأمة في عهد الصحابة والتابعين أمر منكر وكلام مردود. الثاني: لو كانت القراءة بالنصب أولى، لوجب أن يكون في القراء من يقرأ: واللذان يأتيانها منكم فآذوهما بالنصب، ولما لم يوجد في القراء من يقرأ كذلك، علمنا سقوط هذا القول. الثالث: أنا إذا جعلنا "السارق والسارقة" مبتدأ، وخبره مضمر وهو الذي يقدره: " فيما يتلى عليكم " ، بقي شيء آخر تتعلق به الفاء في قوله: "فاقطعوا". فإن قال: الفاء تتعلق بالفعل الذي دل عليه قوله: "والسارق والسارقة"، يعني: أنه إذا أتى بالسرقة فاقطعوا يده، فنقول: إذا احتجت في آخر الأمر [ أن تقول ]: السارق والسارقة [ تقديره ]: من سرق، فاذكر هذا أولا حتى لا تحتاج إلى الإضمار الذي ذكرته. الرابع: أنا إذا اخترنا القراءة بالنصب، لم تدل على أن السرقة علة لوجوب القطع، وإذا اخترنا القراءة بالرفع أفادت الآية هذا المعنى، ثم إن هذا المعنى متأكد بقوله: "جزاء بما كسبا"، فثبت أن القراءة بالرفع أولى. الخامس: أن سيبويه قال: "وهم يقدمون الأهم والذي هم ببيانه أعنى"؛ فالقراءة بالرفع تقتضي تقديم ذكر كونه سارقا على ذكر وجوب القطع، وهذا يقتضي أن يكون أكبر العناية مصروفا إلى شرح ما يتعلق بحال السارق من حيث إنه سارق، وأما القراءة بالنصب فإنها تقتضي أن تكون العناية ببيان القطع أتم من العناية بكونه سارقا، ومعلوم أنه ليس كذلك، فإن المقصود في هذه الآية تقبيح السرقة والمبالغة في الزجر عنها، فثبت أن القراءة بالرفع هي المتعينة. انتهى ما زعم أنه رد على إمام الصناعة.

                                                                                                                                                                                                                                      والجواب عن الوجه الأول ما تقدم جوابا عما قاله الزمخشري، وقد تقدم، ويؤيده نص سيبويه، فإنه قال: وقد يحسن ويستقيم: عبد الله فاضربه، [ ص: 261 ] إذا كان مبنيا على مبتدأ مظهر أو مضمر، فأما في المظهر فقوله: هذا زيد فاضربه، وإن شئت لم يظهر هذا ويعمل كعمله إذا كان مظهرا، وذلك قولك: الهلال والله فانظر إليه، فكأنك قلت: هذا الهلال، ثم جئت بالأمر، ومن ذلك قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      1725 - وقائلة: خولان فانكح فتاتهم وأكرومة الحيين خلو كما هيا



                                                                                                                                                                                                                                      هكذا سمع من العرب تنشده، يعني: برفع "خولان"، فمع قوله: "يحسن ويستقيم"، كيف [ يكون ] طاعنا في الرفع ؟ وقوله: "فإن قال سيبويه .... إلى آخره"؛ فسيبويه لا يقول ذلك، وكيف يقوله وقد رجح الرفع بما أوضحته، وقوله: "لم يقرأ بها إلا عيسى"، ليس كما زعم، بل قرأ بها جماعة، كإبراهيم ابن أبي عبلة، وأيضا فهؤلاء لم يقرؤوها من تلقاء أنفسهم، بل نقلوها إلى أن تتصل بالرسول صلى الله عليه وسلم، غاية ما في الباب أنها ليست في شهرة الأولى. وعن الثاني: أن سيبويه لم يدع ترجيح النصب حتى يلزم بما قاله، بل خرج قراءة العامة على جملتين، لما ذكرت لك فيما تقدم من دخول الفاء، ولذلك لما مثل سيبويه جملة الأمر والنهي بعد الاسم مثلهما عاريتين من الفاء، قال: وذلك قولك: زيدا اضربه، وعمرا امرر به. وعن الثالث: ما تقدم من الحكمة المقتضية للمجيء بالفاء وكونها رابطة للحكم بما قبله. وعن الرابع: بالمنع أن يكون بين الرفع والنصب فرق بأن الرفع يقتضي العلة، والنصب لا يقتضيه، وذلك أن الآية من باب التعليل بالوصف المرتب عليه الحكم، ألا ترى أن قولك: "اقطع السارق" يفيد العلة؛ أي: إنه جعل علة [ ص: 262 ] القطع اتصافه بالسرقة، فهذا يشعر بالعلة مع التصريح بالنصب. وعن الخامس: إنهم يقدمون الأهم، حيث اختلفت النسبة الإسنادية، كالفاعل مع المفعول، ولنسرد نص سيبويه ليتبين ما ذكرناه، قال سيبويه: فإن قدمت [ المفعول ] وأخرت الفاعل جرى اللفظ كما جرى في الأول، يعني: في "ضرب عبد الله زيدا"، قال: وذلك "ضرب زيدا عبد الله"؛ لأنك إنما أردت به مؤخرا ما أردت به مقدما، ولم ترد أن يشتغل الفعل بأول منه، وإن كان مؤخرا في اللفظ، فمن ثم كان حد اللفظ أن يكون فيه مقدما، وهو عربي جيد كثير، كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم لهم، وهم ببيانه أعنى، وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم. والآية الكريمة ليست من ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "أيديهما" جمع واقع موقع التثنية لأمن اللبس؛ لأنه معلوم أنه يقطع من كل سارق يمينه، فهو من باب "صغت قلوبكما"، ويدل على ذلك قراءة عبد الله: "فاقطعوا أيمانهما". واشترط النحويون في وقوع الجمع موقع التثنية شروطا، ومن جملتها: أن يكون ذلك الجزء المضاف مفردا من صاحبه، نحو: قلوبكما، ورؤوس الكبشين؛ لأمن الإلباس بخلاف العينين واليدين والرجلين، لو قلت: "فقأت أعينهما" وأنت تعني: عينيهما، و "كتفت أيديهما" وأنت تعني: يديهما، لم يجز للبس، فلولا أن الدليل دل على أن المراد اليدان اليمنيان، لما ساع ذلك، وهذا مستفيض في لسانهم - أعني: وقوع الجمع موقع التثنية بشروطه - قال تعالى: فقد صغت قلوبكما .

                                                                                                                                                                                                                                      ولنذكر المسألة فنقول: كل جزأين أضيفا إلى كليهما لفظا أو تقديرا، وكانا مفردين من صاحبيهما، جاز فيهما ثلاثة أوجه: الأحسن الجمع، ويليه [ ص: 263 ] الإفراد عند بعضهم، ويليه التثنية، وقال بعضهم: الأحسن الجمع، ثم التثنية، ثم الإفراد، نحو: قطعت رؤوس الكبشين، ورأس الكبشين، ورأسي الكبشين، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      1726 - ومهمهين قذفين مرتين     ظهراهما مثل ظهور الترسين



                                                                                                                                                                                                                                      فقولي: "جزآن" تحرز من الشيئين المنفصلين، لو قلت: قبضت دراهمكما، تعني: درهميكما، لم يجز للبس، فلو أمن جاز، كقوله: اضرباه بأسيافكما، إلى مضاجعكما. وقولنا: "أضيفا" تحرز من تفرقهما، كقوله: على لسان داود وعيسى ابن مريم ، وقولنا: "لفظا" تقدم مثاله، فإن الإضافة فيه لفظية. وقولنا: "أو تقديرا"، نحو قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1727 - رأيت بني البكري في حومة الوغى     كفاغري الأفواه عند عرين



                                                                                                                                                                                                                                      فإن تقديره: كفاغري أفواهما. وقولنا: "مفردين" تحرز من العينين ونحوهما، وإنما اختير الجمع على التثنية وإن كانت الأصل لاستثقال توالي تثنيتين، وكان الجمع أولى من المفرد لمشاركة التثنية في الضم، وبعده المفرد لعدم الثقل، هذا عند بعضهم، قال: لأن التثنية لم ترد إلا ضرورة، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      172 - هما نفثا في في من فمويهما     على النابح العاوي أشد رجام [ ص: 264 ]



                                                                                                                                                                                                                                      بخلاف الإفراد، فإنه ورد في فصيح الكلام، ومنه: مسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما. وقال بعضهم: الأحسن الجمع، ثم التثنية، ثم الإفراد، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1729 - حمامة بطن الواديين ترنمي     سقاك من الغر الغوادي مطيرها



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري: أيديهما: يديهما، ونحوه: "فقد صغت قلوبكما"، اكتفى بتثنية المضاف إليه عن تثنية المضاف، وأريد باليدين: اليمنيان، بدليل قراءة عبد الله: "والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم". ورد عليه الشيخ بأنهما ليسا بشيئين، فإن النوع الأول مطرد فيه وضع الجمع موضع التثنية، بخلاف الثاني، فإنه لا ينقاس؛ لأن المتبادر إلى الذهن من قولك: قطعت آذان الزيدين: أربعة الآذان، وهذا الرد ليس بشيء؛ لأن الدليل دل على أن المراد اليمنيان.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "جزاء" فيه أربعة أوجه، أحدها: أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر؛ أي: جازوهما جزاء. الثاني: أنه مصدر أيضا، لكنه منصوب على معنى نوع المصدر؛ لأن قوله: "فاقطعوا" في قوة: جازوهما بقطع الأيدي جزاء. الثالث: أنه منصوب على الحال، وهذه الحال يحتمل أن تكون من الفاعل؛ أي: مجازين لهما بالقطع بسبب كسبهما، وأن تكون من المضاف إليه في "أيديهما"؛ أي: في حال كونها مجازين، وجاز مجيء الحال من المضاف [ ص: 265 ] إليه؛ لأن المضاف جزؤه، كقوله: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا . الرابع: أنه مفعول من أجله؛ أي: لأجل الجزاء، وشروط النصب موجودة. و "نكالا" منصوب كما نصب "جزاء"، ولم يذكر الزمخشري فيهما غير المفعول من أجله. قال الشيخ: تبع في ذلك الزجاج، ثم قال: وليس بجيد، إلا إذا كان الجزاء هو النكال، فيكون ذلك طريق البدل، وأما إذا كان متباينين، فلا يجوز ذلك إلى بوساطة حرف العطف. قلت: النكال نوع من الجزاء، فهو بدل منه، [ على أن الذي ينبغي أن يقال هنا: إن "جزاء" مفعول من أجله، العامل فيه ] "فاقطعوا"، فالجزاء علة للأمر بالقطع، و "نكالا" مفعول من أجله أيضا، العامل فيه "جزاء"، والنكال علة للجزاء، فتكون العلة معللة بشيء آخر، فتكون كالحال المتداخلة، كما تقول: ضربته تأديبا له إحسانا إليه؛ فالتأديب علة للضرب والإحسان علة للتأديب، وكلام الزمخشري والزجاج قبله لا ينافي ما ذكرته، فإنه لا منافاة بين هذا وبين قولهما: "جزاء" مفعول من أجله، وكذلك "نكالا" فتأمله، فإنه وجه حسن، فطاح الاعتراض على الزمخشري والزجاج، والتفصيل المذكور في قوله: إلا إذا كان الجزاء هو النكال. ثم ظفرت بعد ذلك بأنه يجوز في المفعول له أن ينصب مفعولا له آخر [ يكون علة ] فيه، وذلك أن المعربين أجازوا في قوله تعالى: أن يكفروا بما أنزل الله بغيا ، أن يكون "بغيا" مفعولا له، ثم ذكروا في [ ص: 266 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "أن ينزل الله" أنه مفعول له ناصبه "بغيا"، فهو علة له، صرحوا بذلك فظهر ما قلت. و "بما" متعلق بـ "جزاء"، و "ما" يجوز أن تكون مصدرية؛ أي: بكسبهما، وأن تكون بمعنى الذي، والعائد محذوف لاستكمال الشروط؛ أي: بالذي كسباه، والباء سببية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية