الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 66 ) قوله تعالى: أن اقتلوا "أن" فيها وجهان، أحدهما: أنها المفسرة؛ لأنها أتت بعد "ما"، هو بمعنى القول لا حروفه، وهذا أظهر. والثاني: أنها مصدرية، وما بعدها من فعل الأمر صلتها. وفيه إشكال من حيث إنه إذا سبك منها ومما بعدها مصدر، فأتت الدلالة على الأمر، ألا ترى أنك إذا قلت: "كتبت إليه أن قم" فيه من الدلالة على طلب القيام بطريق الأمر ما لا في قولك: "كتبت إليه القيام"، ولكنهم جوزوا ذلك، واستدلوا بقولهم: "كتبت إليه بأن قم"، ووجه الدلالة أن حرف الجر لا يعلق، وتحرير المبحث في ذلك في " الشرح الكبير للتسهيل ".

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو عمرو بكسر نون "أن"، وضم واو "أو"، وكسرهما حمزة وعاصم، وضمهما باقي السبعة، فالكسر على أصل التقاء الساكنين، والضم للاتباع للثالث؛ إذ هو مضموم ضمة لازمة، وإنما فرق أبو عمرو؛ لأن الواو أخت الضمة، وقد تقدم تحقيق ذلك في البقرة عند قوله: فمن اضطر . [ ص: 22 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ما فعلوه" الهاء يحتمل أن تكون ضمير مصدر "اقتلوا" أو "اخرجوا"؛ أي: ما فعلوا القتل أو ما فعلوا الخروج. وقد أبعد فخر الدين الرازي، حيث زعم أنها تعود إليهما معا، لنبو الصناعة عنه. [ وأجاز أبو البقاء وجها رابعا ]: وهو أن يعود على المكتوب، ودل عليه "كتبنا".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "إلا قليل" رفعه من وجهين، أحدهما: أنه بدل من فاعل "فعلوه"، وهو المختار على النصب؛ لأن الكلام غير موجب. الثاني: أنه معطوف على ذلك الضمير المرفوع، و "إلا" حرف عطف، وهذا رأي الكوفيين، ولهذه المسألة موضوع غير هذا. وقرأ ابن عامر وجماعة: "إلا قليلا" نصبا، وفيه وجهان، أشهرهما: أنه نصب على الاستثناء، وإن كان الاختيار الرفع؛ لأن المعنى موجود معه كما هو موجود مع النصب، ويزيد عليه بموافقة اللفظ. والثاني: أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: "إلا فعلا قليلا" قاله الزمخشري، وفيه نظر؛ إذ الظاهر أن "منهم" صفة لـ "قليلا"، ومتى حمل القليل على غير الأشخاص يقلق هذا التركيب؛ إذ لا فائدة حينئذ في ذكر "منهم".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولو أنهم فعلوا قد تقدم الكلام على نظير هذه المسألة في مواضع، و "ما" في "ما يوعظون" موصولة اسمية. والباء في "به" تحتمل أن تكون المعدية دخلت على الموعوظ به، والموعوظ به على هذا هو التكاليف من الأوامر والنواهي، وتسمى أوامر الله تعالى ونواهيه مواعظ؛ لأنها مقترنة [ ص: 23 ] بالوعد والوعيد، وأن تكون للسببية، والتقدير: ما يوعظون بسببه؛ أي: بسبب تركه، ودل على الترك المحذوف قوله: "ولو أنهم فعلوا"، واسم "كان" ضمير عائد على الفعل المفهوم من قوله: ولو أنهم فعلوا ؛ أي: لكان فعل ما يوعظون به، و "خيرا" خبرها، و "تثبيتا" تمييز لـ "أشد".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية