الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 11 ) قوله تعالى: ثم انظروا عطف على "سيروا"، ولم يجئ في القرآن العطف في مثل هذا الموضع إلا بالفاء، وهنا جاء بـ "ثم" فيحتاج إلى فرق، فذكر الزمخشري الفرق، وهو: أن جعل النظر مسببا عن السير في قوله: "فانظروا"، كأنه قيل: "سيروا لأجل النظر، ولا تسيروا سير الغافلين"، وهنا معناه: إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع، وإيجاب النظر في آثار الهالكين، ونبه على ذلك بـ "ثم" لتباعد ما بين الواجب والمباح". [ ص: 548 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: "وما ذكره أولا متناقض؛ لأنه جعل النظر متسببا عن السير، فكان السير سببا للنظر، ثم قال: فكأنه قيل: سيروا لأجل النظر، فجعل السير معلولا بالنظر، والنظر سبب له فتناقضا، ودعوى أن الفاء سببية دعوى لا دليل عليها، وإنما معناها التعقيب فقط، وأما: "زنى ماعز فرجم"، ففهم السببية من قرينة غيرها". قال: "وعلى تقدير تسليم إفادتها السبب، فلم كان السير هنا سير إباحة وفي غيره سير إيجاب" ؟ قلت: هذا اعتراض صحيح، إلا قوله: "إن الفاء لا تفيد السببية"، فإنه غير مرض، ودليله في غير هذا الموضوع. ومثل هذا المكان في كون الزمخشري جعل شيئا علة ثم جعله معلولا ما، سيأتي إن شاء الله في أول الفتح ويأتي هناك جوابه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "كيف كان عاقبة": "كيف" خبر مقدم، و "عاقبة" اسمها، ولم يؤنث فعلها؛ لأن تأنيثها غير حقيقي، ولأنها بتأويل المال والمنتهى، فإن العاقبة مصدر على وزن فاعلة، وهو محفوظ في ألفاظ تقدم ذكرها، وهي منتهى الشيء وما يصير إليه. والعاقبة إذا أطلقت اختصت بالثواب، قال تعالى: "والعاقبة للمتقين"، وبالإضافة قد تستعمل في العقوبة، كقوله تعالى: ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى ، فكان عاقبتهما أنهما في النار ، فصح أن تكون استعارة من ضده، كقوله تعالى: فبشرهم بعذاب أليم . و "كيف" معلقة للنظر، فهي في محل نصب على إسقاط الخافض؛ لأن معناه هنا: التفكر والتدبر. [ ص: 549 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية