الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 43 ) قوله تعالى: فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا "إذ" منصوب بـ "تضرعوا"، فصل به بين حرف التحضيض وما دخل عليه، وهو جائز [ ص: 633 ] حتى في المفعول به، تقول: "لولا زيدا ضربت"، وتقدم أن حرف التحضيض مع الماضي يكون معناه التوبيخ.

                                                                                                                                                                                                                                      والتضرع: تفعل من الضراعة، وهي الذلة والهيئة المسببة عن الانقياد إلى الطاعة، يقال: ضرع يضرع ضراعة، فهو ضارع وضرع، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      1927 - ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح



                                                                                                                                                                                                                                      وللسهولة والتذلل المفهومة من هذه المادة اشتقوا منها للثدي اسما، فقالوا له: "ضرعا"

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ولكن قست قلوبهم": "لكن" هنا واقعة بين ضدين، وهما اللين والقسوة؛ وذلك أن قوله: "تضرعوا" مشعر باللين والسهولة، وكذلك إذا جعلت الضراعة عبارة عن الإيمان، والقسوة عبارة عن الكفر، وعبرت عن السبب بالمسبب وعن المسبب بالسبب، ألا ترى أنك تقول: "آمن قلبه فتضرع، وقسا قلبه فكفر"، وهذا أحسن من قول أبي البقاء : "ولكن" استدراك على المعنى؛ أي: ما تضرعوا ولكن"، يعني: أن التحضيض في معنى النفي، وقد يترجح هذا بما قاله الزمخشري ، فإنه قال: "معناه نفي التضرع، كأنه قيل: لم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا، ولكنه جاء بـ "لولا" ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع، إلا قسوة قلوبهم، وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وزين لهم" هذه الجملة تحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون استئنافية، أخبر تعالى عنهم بذلك. والثاني - وهو الظاهر -: أنها داخلة في حيز [ ص: 634 ] الاستدراك، فهي نسق على قوله: "قست قلوبهم"، وهذا رأي الزمخشري، فإنه قال: "لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا قسوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم"، وقد تقدم ذلك. و "ما" في قوله: "ما كانوا" يحتمل أن تكون موصولة اسمية؛ أي: الذي كانوا يعملونه، وأن تكون مصدرية؛ أي: زين لهم عملهم، كقوله: زينا لهم أعمالهم ، ويبعد جعلها نكرة موصوفة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية