الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 29 ) قوله تعالى: وقالوا هل هذه الجملة معطوفة على جواب "لو"، والتقدير: ولو ردوا لعادوا ولقالوا، أو هي مستأنفة ليست داخلة في حيز "لو"، أو هي معطوفة على قوله: "وإنهم لكاذبون" ؟ ثلاثة أوجه، ذكر الزمخشري الوجهين الأول والآخر، فإنه قال: "وقالوا" عطف على "لعادوا"؛ أي: لو ردوا لكفروا ولقالوا: إن هي إلا حياتنا الدنيا، كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة، ويجوز أن يعطف على قوله: "وإنهم لكاذبون" على معنى: وإنهم لقوم كاذبون في كل شيء". والوجه الأول منقول عن ابن زيد، إلا أن ابن عطية رده، فقال: "وتوقيف الله لهم في الآية بعدها على البعث، والإشارة إليه في قوله: "أليس هذا بالحق" يرد على هذا التأويل". وقد يجاب عن هذا باختلاف حالين: فإن إقرارهم بالبعث حقيقة إنما هو في الآخرة، وإنكارهم ذلك إنما هو الدنيا بتقدير عودهم إلى الدنيا، فاعترافهم به في الدار الآخرة غير مناف لإنكارهم إياه في الدنيا. [ ص: 593 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "إن هي إلا حياتنا": "إن" نافية، و "هي" مبتدأ، و "حياتنا" خبرها، ولم يكتفوا بمجرد الإخبار بذلك حتى أبرزوها محصورة في نفي وإثبات، و "هي" ضمير مبهم يفسره خبره؛ أي: ولا نعلم ما يراد به إلا بذكر خبره، وهو من الضمائر التي يفسرها ما بعدها لفظا ورتبة، وقد قدمت ذلك عند قوله: فسواهن سبع سماوات ، وكون هذا مما يفسره ما بعده لفظا ورتبة فيه نظر؛ إذ لقائل أن يقول: "هي" تعود على شيء دل عليه سياق الكلام، كأنهم قالوا: إن العادة المستمرة، أو إن حالتنا وما عهدنا إلا حياتنا الدنيا، واستند هذا القائل إلى قول الزمخشري: "هذا ضمير لا يعلم ما يراد به إلا بذكر ما بعده"، ومثل الزمخشري بقول العرب: "هي النفس تتحمل ما حملت"، و "هي العرب تقول ما شاءت".

                                                                                                                                                                                                                                      وليس فيما قاله الزمخشري دليل له؛ لأنه يعني: أنه لا يعلم ما يعود عليه الضمير إلا بذكر ما بعده، وليس في هذا ما يدل على أن الخبر مفسر للضمير، ويجوز أن يكون المعنى: إن الحياة إلا حياتنا الدنيا، فقوله: "إلا حياتنا الدنيا" دال على ما يفسر الضمير وهو الحياة مطلقا، فصدق عليه أنه لا يعمل ما يراد به إلا بذكر ما بعده من هذه الحيثية، لا من حيثية التفسير، ويدل على ما قلته قول أبي البقاء : "هي كناية عن الحياة، ويجوز أن يكون ضمير القصة".

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: أما أول كلامه فصحيح، وأما آخره وهو قوله: "إن هي ضمير القصة" فليس بشيء؛ لأن ضمير القصة لا يفسر إلا بجملة مصرح بجزأيها. فإن قلت: الكوفي يجوز تفسيره بالمفرد فيكون نحا نحوهم. فالجواب: أن الكوفي إنما يجوزه بمفرد عامل عمل الفعل، نحو: "إنه قائم زيد"، "وظنته قائما زيد"؛ لأنه في صورة الجملة، إذ في الكلام مسند ومسند إليه. أما نحو [ ص: 594 ] "هو زيد" فلا يجيزه أحد، على أن يكون "هو" ضمير شأن ولا قصة، والدنيا صفة الحياة، وليست صفة مزيلة اشتراكا عارضا، يعني: أن ثم حياة غير دنيا يقرون بها؛ لأنهم لا يعرفون إلا هذه، فهي صفة لمجرد التوكيد، كذا قيل، ويعنون بذلك أنها لا مفهوم لها، وإلا فحقيقة التوكيد غير ظاهرة، بخلاف "نفخة واحدة". والباء في قوله: "بمبعوثين" زائدة لتأكيد الخبر المنفي، ويحتمل مجرورها أن يكون منصوب المحل على أن "ما" حجازية، أو مرفوعة على أنها تميمية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية