الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 163 ) قوله تعالى: كما أوحينا الكاف نعت لمصدر محذوف؛ أي: إيحاء مثل إيحائنا، أو على أنه حال من ذلك المصدر المحذوف المقدر معرفا؛ أي: أوحيناه؛ أي: الإيحاء حال كونه مشبها لإيحائنا إلى من ذكر. وهذا مذهب سيبويه، وقد تقدم تحقيقه. و "ما" تحتمل وجهين: أنه تكون مصدرية فلا تفتقر إلى عائد على الصحيح، وأن تكون بمعنى الذي، فيكون العائد محذوفا؛ أي: كالذي أوحيناه إلى نوح. و "من بعده" [ ص: 157 ] متعلق بـ "أوحينا"، ولا يجوز أن تكون "من" للتبيين؛ لأن الحال خبر في المعنى، ولا يخبر بظرف الزمان عن الجثة إلا بتأويل ليس هذا محله. وأجاز أبو البقاء أن يتعلق بنفس "النبيين"، يعني: أنه في معنى الفعل، كأنه قيل: والذين تنبؤوا من بعده، وهو معنى حسن.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي "يونس" ست لغات، أفصحها: واو خالصة ونون مضمومة، وهي لغة الحجاز، وحكي كسر النون بعد الواو، وبها قرأ نافع في رواية حبان، وحكي أيضا فتحها مع الواو، وبها قرأ النخعي ، وهي لغة لبعض عقيل، وهاتان القراءتان جعلهما بعضهم منقولتين من الفعل المبني للفاعل أو للمفعول، جعل هذا الاسم مشتقا من الأنس، وإنما أبدلت الهمزة واوا لسكونها وانضمام ما قبلها، ويدل على ذلك مجيئه بالهمزة على الأصل في بعض اللغات كما سيأتي، وفيه نظر؛ لأن هذا الاسم أعجمي، وحكي تثليث النون مع همز الواو، كأنهم قلبوا الواو همزة لانضمام ما قبلها، نحو:


                                                                                                                                                                                                                                      1676 - أحب المؤقدين إلي موسى ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم تقريره، وحكي أن ضم النون مع الهمزة لغة بضع بني أسد، إلا أني لا أعلم أنه قرئ بشيء من لغات الهمز. هذا إذا قلنا: إن هذا الاسم ليس منقولا من فعل مبني للفاعل أو للمفعول، حالة كسر النون [ ص: 158 ] أو فتحها، أما إذا قلنا بذلك، فالهمزة أصلية غير منقلبة من واو؛ لأنه مشتق من الأنس، وأما مع ضم النون فينبغي أن يقال بأن الهمزة بدل من الواو؛ لانتفاء الفعلية مع ضم النون.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "زبورا" قراءة الجمهور بفتح الزاي، وحمزة بضمها، وفيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه جمع "زبر"، قال الزمخشري: جمع "زبر"، وهو الكتاب، ولم يذكر غيره، يعني: أنه في الأصل مصدر على فعل، ثم جمع على فعول، نحو: فلس وفلوس، وقلس وقلوس، وهذا القول سبقه إليه أبو علي الفارسي في أحد التخريجين عنه. قال أبو علي: ويحتمل أن يكون جمع زبر وقع على المزبور، كما قالوا: ضرب الأمير ونسج اليمن، كما سمي المكتوب كتابا، يعني أبو علي: أنه مصدر واقع موقع المفعول به كما مثله. والثاني: أنه جمع "زبور" في قراءة العامة، ولكنه على حذف الزوائد، يعني: حذفت الواو منه فصار اللفظ "زبر"، وهذا التخريج الثاني لأبي علي، قال أبو علي: كما قالوا: ظريف وظروف، وكروان وكروان، وورشان وورشان، على تقدير حذف الياء والألف، وهذا لا بأس به، فإن التكسير والتصغير يجريان غالبا مجرى واحدا، وقد رأيناهم يصغرون بحذف الزوائد، نحو: زهير وحميد في أزهر ومحمود، ويسميه النحويون تصغير الترخيم، فكذلك التكسير. الثالث: أنه اسم مفرد، وهو مصدر جاء على فعول، كالدخول [ ص: 159 ] ، والقعود، والجلوس، قاله أبو البقاء وغيره. وفيه نظر من حيث إن الفعول يكون مصدرا للازم، ولا يكون للمتعدي إلا في ألفاظ محفوظة، نحو: اللزوم والنهوك، وزبر - كما ترى - متعد، فيضعف جعل الفعول مصدرا له، وقد تقدم معنى هذه المادة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية