الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 39 ) قوله تعالى: والذين كذبوا مبتدأ وما بعده الخبر. ويجوز أن يكون "صم" خبر مبتدأ محذوف، والجملة خبر الأول، والتقدير: والذين كذبوا بعضهم صم وبعضهم بكم، وقال أبو البقاء : "صم وبكم الخبر، مثل: حلو حامض، والواو لا تمنع من ذلك". قلت: هذا الذي قاله لا يجوز من وجهين، أحدهما: أن ذلك إنما يكون إذا كان الخبران في معنى خبر واحد؛ لأنهما في معنى مز، وهو أعسر يسر بمعنى أضبط، وأما هذان الخبران فكل منهما مستقل بالفائدة. والثاني: أن الواو لا تجوز في مثل هذا إلا عند أبي علي الفارسي، وهو وجه ضعيف.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "في الظلمات" فيه أوجه، أحدها: أن يكون خبرا ثانيا لقوله: "والذين كذبوا"، ويكون ذلك عبارة عن العمى، ويصير نظير الآية الأخرى: صم بكم عمي ، فعبر عن العمى بلازمه، والمراد بذلك: عمى البصيرة. والثاني: أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من الضمير المستكن في الخبر، تقديره: ضالون حال كونهم مستقرين في الظلمات. الثالث: أنه صفة لـ "بكم"، فيتعلق أيضا بمحذوف؛ أي: بكم كائنون في الظلمات. الرابع: أن يكون ظرفا [ ص: 614 ] على حقيقته، وهو ظرف لـ "صم" أو لـ "بكم". قال أبو البقاء : "أو لما ينوب عنهما في الفعل"؛ أي: لأن الصفتين في قوة التصريح بالفعل.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: من يشأ الله يضلله في "من" وجهان، أحدهما: أنها مبتدأ، وخبرها ما بعدها، وقد عرف غير مرة. ومفعول "يشأ" محذوف؛ أي: من يشإ الله إضلاله. والثاني: أنه منصوب بفعل مضمر يفسره ما بعده من حيث المعنى، ويقدر ذلك الفعل متأخرا عن اسم الشرط؛ لئلا يلزم خروجه عن الصدر، وقد تقدم التنبيه على ذلك وأن فيه خلافا، والتقدير: من يشق الله يشأ إضلاله ومن يسعد يشأ هدايته. فإن قلت: هل يجوز أن تكون "من" مفعولا مقدما لـ "يشأ" ؟ فالجواب: أن ذلك لا يجوز لفساد المعنى. فإن قلت: أقدر مضافا هو المفعول، حذف وأقيمت "من" مقامه، تقديره: إضلال من يشاء وهداية من يشاء، ودل على هذا المضاف جواب الشرط. فالجواب: أن الأخفش حكى عن العرب أن اسم الشرط غير الظرف، والمضاف إلى اسم الشرط لا بد أن يكون في الجزاء ضمير يعود عليه، أو على ما أضيف إليه، فالضمير في "يضلله" و "يجعله": إما أن يعود على المضاف المحذوف ويكون كقوله: أو كظلمات في بحر لجي يغشاه ، فالهاء في "يغشاه" تعود على المضاف؛ أي: كذي ظلمات يغشاه، وإما أن يعود على اسم الشرط، والأول ممتنع؛ إذ يصير التقدير: إضلال من يشإ الله يضلله؛ أي: يضل الإضلال، وهو فاسد. والثاني أيضا ممتنع لخلو الجواب من ضمير يعود على المضاف إلى اسم الشرط. فإن قيل: يجوز أن يكون المعنى: من يشإ الله بالإضلال، وتكون "من" مفعولا مقدما؛ لأن "شاء" بمعنى: أراد، و "أراد" يتعدى بالباء، قال: [ ص: 615 ]


                                                                                                                                                                                                                                      1910 - أرادت عرارا بالهوان ومن يرد عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم



                                                                                                                                                                                                                                      قيل: لا يلزم من كون "شاء" بمعنى "أراد" أن يتعدى تعديته، ولذلك نجد اللفظ الواحد تختلف تعديته باختلاف متعلقه، تقول: دخلت الدار ودخلت في الأمر، ولا تقول: دخلت الأمر، فإذا كان ذلك في اللفظ الواحد فما بالك بلفظين ؟ ولم يحفظ عن العرب تعدية "شاء" بالباء، وإن كانت في معنى أراد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية