الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 102 ) قوله تعالى: قد سألها : الضمير في "سألها" ظاهره يعود على "أشياء"، لكن قال الزمخشري : "فإن قلت: كيف قال: لا تسألوا عن أشياء، ثم قال: "قد سألها"، ولم يقل: سأل عنها ؟ قلت: [ الضمير في [ ص: 443 ] سألها ] ليس يعود على أشياء حتى يتعدى إليها بـ "عن"، وإنما يعود على المسألة المدلول عليها بقوله: "لا تسألوا"؛ أي: قد سأل المسألة قوم، ثم أصبحوا بها - أي: بمرجوعها - كافرين". ونحا ابن عطية منحاه. قال الشيخ: "ولا يتجه قولهما إلا على حذف مضاف، وقد صرح به بعض المفسرين؛ أي: قد سأل أمثالها؛ أي: أمثال هذه المسألة أو أمثال هذه السؤالات". وقال الحوفي في "سألها": "الظاهر عود الضمير على "أشياء" ولا يتجه حمله على ظاهره، لا من جهة اللفظ العربي ولا من جهة المعنى، أما من جهة اللفظ فلأنه كان ينبغي أن يعدى بـ "عن" كما عدي في الأول، وأما من جهة المعنى فلأن المسؤول عنه مختلف قطعا، فإن سؤالهم غير سؤال من قبلهم، فإن سؤال هؤلاء مثل من سأل: أين ناقتي وما في بطن ناقتي، وأين أبي وأين مدخلي ؟ وسؤال أولئك غير هذا نحو: أنزل علينا مائدة ، أرنا الله جهرة ، اجعل لنا إلها ، ونحوه. وقال الواحدي: - ناقلا عن الجرجاني - "وهذا السؤال في الآيات يخالف معنى السؤال في قوله: لا تسألوا عن أشياء ، وإن تسألوا عنها ، ألا ترى أن السؤال في الآية الأولى قد عدي بالجار، وها هنا لم يعد بالجار؛ لأن السؤال ها هنا طلب لعين الشيء نحو: "سألتك درهما"؛ أي: طلبته منك، والسؤال في الآية الأولى سؤال عن حال الشيء وكيفيته، وإنما عطف بقوله: "قد سألها قوم" على ما قبلها، وليست بمثلها في التأويل؛ لأنه إنما نهاهم عن تكليف ما لم يكلفوا، وهو مرفوع [ ص: 444 ] عنهم". قلت: ويجوز أن يعود على "أشياء" لفظا لا معنى، كما قال النحويون في مسألة: "عندي درهم ونصفه"؛ أي: ونصف درهم آخر، ومنه:


                                                                                                                                                                                                                                      1814 - وكل أناس قاربوا قيد فحلهم ونحن خلعنا قيده فهو سارب



                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "من قبلكم" متعلق بقوله: "سألها". فإن قيل: هل يجوز أن يكون صفة لقوم ؟ قلت: منع من ذلك جماعة معتلين بأن ظرف الزمان لا يقع خبرا ولا صفة ولا حالا عن الجثة، وقد تقدم لك نحو من هذا في أول البقرة عند قوله: والذين من قبلكم ، فإن الصلة كالصفة، و "بها" متعلق بـ "كافرين"، وإنما قدم لأجل الفواصل. والنخعي قرأ: "سالها" بالإمالة من غير همز، وهما لغتان، ومنه يتساولان فإمالته لـ "سأل" كإمالة حمزة "خاف"، وقد تقدم تحقيق ذلك في البقرة عند: فإن لكم ما سألتم ، و سل بني إسرائيل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية